مقالات الرأى

الإعاقة صناعة محلية

بقلم/ طارق عباس

يتصور البعض أن المعاق هو من يفقد حاسة من حواسه أو عضوا من أعضاء جسده، وهو، فى تقديرى، فهم خاطئ وتصور قاصر، خاصة أن من هؤلاء المعاقين من يتجاوزون إعاقتهم بتميزهم فى إدارة ذواتهم واستثمار طاقاتهم ومواهبهم بل وملء أى فراغ قد يعجز عن سده من يُسَمون أنفسهم الأصحاء.

أما المعاق الحقيقى- من وجهة نظرى- فهو السليم بنيانا، الضعيف عزيمة، القادر على الحركة، المُصِر على الكسل، المُتاح له- طول الوقت- أن يكون شيئا، ثم يستلذ بألا يكون أى شىء، وما أكثر هؤلاء المعاقين المُفتَرَض أنهم أسوياء، ما أكثر من كان بوسعهم أن يملأوا الدنيا حيوية وشبابا، إلا أنهم يشيخون قبل الأوان، ما أكثر من تتوفر لهم إمكانيات التميز المادية والمعنوية، ومع ذلك يسيرون- عمدا – إلى الخلف.

إننى أتحدث هنا عن جيل من الأطفال والشباب كان من الواجب أن يحمل الآن راية التغيير والإصلاح والتجديد، لكنه تحت سمعنا وبصرنا وبأيدينا، يتفتت ويتفكك وتتوه أولوياته، جيل يتربى على ألا يبذل جهدا أو يتحمل مسؤولية أو يعرف حجم التحديات التى يواجهها، جيل بمجرد أن يدخل للمدرسة يتعود الاتكالية والتراخى وعدم الاعتماد على النفس، لا يذاكر إلا وفوق رأسه مدرس خصوصى يحفظه ويلقنه ويقوى فيه الثقة بأنه لن ينجح إلا بفضل مدرسه، وبدلا من أن تتربى لديه ثقافة التميز العلمى، ينشغل بشراء أحدث المبايلات مثل المحيطين به فى الفصل، ويكون الفيصل هو معيار الكفاءة المادية، وفى آخر السنة تكون النتيجة طبعا دون المستوى، لكن الأب لا يحاسب ولا يعاقب، وربما يوافق على أن يذهب ابنه أو بنته إلى المصيف، وكأنه لم يخطئ فى شىء، ولا يستحق العقاب على تراجع مستواه العلمى. بمجرد وصول الأبناء للمرحلة الإعدادية، يأخذون مصروفهم كأنه واجب منزلى أو راتب يومى يتصرفون فيه كما يشاءون، يعزمون به أصحابهم، يذهبون إلى السينمات أو الكافيهات أو الأندية أو الرحلات أو شراء هدايا أعياد الميلاد، ويجلسون على المبايلات لمتابعة «فيس بوك وسناب شات وإنستجرام وتليجرام ويوتيوب وتيك توك، وا وا»، بعد تجاوز المرحلة الإعدادية واستشعار الفتى أو الفتاة وجوب التحرر من هيمنة وسلطة البيت والأسرة، تظهر مأساة التمرد، فالبنت والولد لا يريدان أن يسمعا الكلام، الأصدقاء دائما على حق، وأولياء الأمور على باطل، وما يرونه شمالا هو عند الأبناء والبنات يمين، رغبة جامحة تفرضها المراهقة، وعلاقات غير سوية، ثم تغيّر حاد فى الأمزجة قد يؤدى لحدوث خلل يجعل سلوك التدخين للشيشة والسجائر والمخدرات سبيلا مهما لتحدى سلطة الأسرة.

بمجرد دخول الثانوية العامة، تبدأ مأساة الخوف من النتيجة، ويعيش التلاميذ فى توتر لا ينتهى، ثم تخرج النتيجة عادة على غير المتوقع، فيذهب الطلاب القادرون ماديا لكليات لا يتسحقونها، بينما يذهب آخرون لكليات لا يريدونها، وبين الطبقات المتصارعة يقضى الشباب عمرهم الدراسى المتبقى فى المقابلات فى المغامرات فى العلاقات الغرامية، لكن آخر ما يشغل معظمهم هو الدراسة، بل بالعكس، قد يوصم الطلاب المتميزون بأنهم «متوحدون، صميمة، دحيحة حريتة» لتكون النتيجة فى النهاية الزمن يمر، والطاقات تُهدَر، الأب والأم يجب أن يتحملا كل شىء، والأبناء والبنات لا يفعلون أى شىء، يستيقظون فى الصباح ولا يرتبون فراشهم، يلقون بملابسهم فى أى زاوية، لأن الأم ستغسلها وتكويها، يتناولون الطعام ولا يغسلون الأكواب أو الأطباق، كل أوقات فراغهم على مواقع السوشيال ميديا، الطبطبة واجبة للغريب، أما الأب والأم فآلامهما لنفسيهما ووحدتهما هى مصيرهما.

إنهم المعاقون الذين نسيناهم فنسونا، وعلمناهم أن يعتمدوا علينا فى كل شىء فألقوا بهمومهم فوق رؤوسنا للأسف الشديد، لدينا الآن جيل يتصرف كأنه ضيف فى منزله، ينتظر المساعدة لكنه لا يحب أن يساعد نفسه وحتى بعد الحصول على الوظيفة، فالراتب للمتعة من جانب الشباب وسداد الدين واجب على الأب والأم.

لقد أخطأ الجيل لأنه معاق، لكن لا يجب أن ننسى أن هذه الإعاقة هى فى الأصل صناعة محلية.

نقلاً عن المصري اليوم

Related Articles

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

Back to top button