الأخبارسلايدر

الدكتورة منال حسنة تكتب( السم الناعم )

معظم محاولات البشرية لإرساء نظم عدالة وقيم حقيقية قابلة للتطبيق على الجميع تفشل أمام الصراعات، والتقلبات القائمة في هذا الكون.

الدكتورة منال حسنة تكتب( السم الناعم ) 

هذا باختصار ما يحصل على هذا الكوكب، وهذا ما يدفع الإنسان إلى الخوض في الكثير من التوقعات السلبية عندما يجد أن القوى الظلامية هي المسيطرة، واللاعدل هو السائد في المجتمعات، والاستهانة بالإنسانية أضحت حدث يومي.

فلا خطوط حمراء بقيت، ولا إنسانية تشفع.

بقي منطق المصالح وحب السيطرة مجتمعان على طاولة من عظام البشر، وقراراتهما تكتب بدماء حمراء، وتنفذ على أشخاص فقدوا اطرافهم، وأهلهم، وبيوتهم، ووطنهم.

وهذا الواقع المرير الذي تكلمت عنه لا يجب أن يمنعنا

من أن نحتفظ بتوقعات إيجابية من الآخرين، ومن الحياة أيضا، ولا يجب أن نفقد الأمل، وليكن توقعنا واقعياً معتدلاً و منطقياً.

فرغم هذا السواد، ورغم أن النفوس مرهونة بما تسمع، وبما تُوّجه إليه، يجب أن نبقى أقوياء، وألا نُحبط لأن أول درجة من سلم هدم الإنسان هو التقليل من شأنه، وإحباطه، و إبرازه كسلعة بخسة الثمن، عندها سيستهين بنفسه، وينشغل بها، وسيبرز لديه التعصب والتحيز فلن يحزن على مصاب غيره، و لن يشعر بمعاناة إنسان في الطرف الآخر من الكرة الأرضية أصابه القصف، وخسر أهله، وأولاده و بترت اطرافه و طرد من وطنه.

السم الناعم 

ولكن ما هي الأساليب المستخدمة التي تجعل من الإنسان يتجرد من إنسانيته؟

قبل أن نتحدث عن الأساليب المستخدمة، يجب تناول الهدف من استخدام هذه الأساليب، والهدف الأبرز هو خلق الرخص، و التفاهة في النفوس , نعم يا سادة الرخص هو السلاح الأقوى الذي يستخدم ضد البشرية، لأنه السم الناعم الذي يتسلل إلى النفوس فيقلل من شأنها مقارنة بالماديات فتصبح تابعة لها، ومدمنة عليها.

فكما تلاحظون مؤخراً كثرت الحروب، وارتفعت نسبة الضحايا، في المقابل ازدادت مجالات الترفيه، والتفاهة، وتعظيم الماديات، و هذه الزيادة الطردية لم تحصل بشكل عشوائي.

فعلى قاعدة الإكثار من الشيء يجعله عادياً، واعتيادياً، ورخيصاً، حصلت المجازر والإبادات، قابلها زيادة في تعظيم التفاهة و الترفيه، و المحتوى الخالي من أي إفادة، و ذلك كي تندمج تلك الأخبار مع بعضها، وتصبح من الأخبار العابرة التي نمررها باصبعنا على الشاشة دون أن نقف عندها.

ولا يتوقف الأمر هنا بل تُدفع أموالاً طائلة لهدم هذا الحس الإنساني لخدمة مصالح مشبوهة.

و هنا يُطرح السؤال

هل هذه الأمور تشترى بالمال؟!!

إن تكلمنا من الجانب المنطقي نجد أن الأمور الحسية الفطرية لا تشترى، ولكن إن تعمقنا في الموضوع نجدها تروض بأمور مادية، لتصبح رهينة لها، و تصبح على قاعدة كلما ازداد تعلق الإنسان بالماديات كلما انحدرت الإنسانية، وكلما انحدرت الإنسانية رخص الانسان، وكلما رخص الإنسان سادت التفاهة، وأصبح من السهل التحكم به و بمشاعره، ليتحول إلى مدمن على السم الناعم.

و هذا ما يفسر عدم استنفار الإنسانية مقابل أمور مادية خوفاً من خسارتها.

لذلك علينا أن نكون أكثر وعياً لمنع السم الناعم من التمكن من نفوسنا، ومسخها، وتحوّيلها لكائن مشوّه في فطرته، والسعي للحفاظ على الشرائع والقوانين، والأديان التي جاءت لحفظ كرامة وحق الإنسان في الحياة بعيداً عن الإبتذال، والرخص والتفاهة، لأن ما يُحاك لنا أخطر مما نتصور.

اقرأ أيضاً 

لإنهاء قوائم الانتظار.. وزير الصحة يعقد اجتماعاً للوقوف على مستجدات المبادرة الرئاسية

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى