الدكتور إبراهيم مجدي حسين يكتب: كنت طفل شقي
مقال الدكتور إبراهيم مجدي حسين استشاري الطب النفسي و المخ و الاعصاب

كنت طفل شقي
جملة مكررة اسمعها من أهالي يأتون لي بأبنائهم في العيادة. إليكم الجملة كما أسمعها بالنص “الولد أو البنت أشقياء جدا و المدرسين في المدرسة بيشتكوا من الشقاوة الزائدة و عدم التركيز و الضحك باستمرار و الفكاهة في الفصل ”
أستقبل هذه الجملة دائما بالضحك لاني في طفولتي منذ أكثر من خمس وثلاثين كنت طفل شقي جدا و كان أغلب المدرسين يشتكون من حركاتي الزائدة و كلامي الكثير لكن أبي و أمي لم يفكروا في يوم من الايام إصطحابي إلى طبيب نفسي. بل كان أبي رحمة الله عليه يهاجم بشدة أي مدرس أو مدرسة يقومون بعمل استدعاء ولي أمر لي يطلبون منه استشارة طبيب نفسي لكي يساعد في التخلص من شقاوتي و كان أبي رحمة الله يقلب الطاولة عليهم و يتهم المدرسين الذين يطلبون هذا الطلب بأنهم لا يفهمون أصول التربية الحديثة و لا يجيدون التعامل مع الأطفال و كان يدافع عني باستماتة .ملحوظة أبي رحمة الله عليه كان إستشاري أمراض نساء و وولادة و لم يكن ينكر الطب النفسي و لم تكن ثقافة الطب غائبة عنه .
البعض سيقول لي ليس من اللائق أن تحكي عن طفولتك و شقاوتك و أن المرضى و القراء ليس لهم دخل بشقاوتك و أنهم اتاوا إليك يطلبون الشورى و المساعدة .
دعوني أشرح لكم المغزي و الغرض من القصة و بعدها سأتحدث لكم عن بعض الاضطرابات النفسية التي تصيب الاطفال
المغزى من القصة أن والدتي ووالدي رحمة الله عليهم رغم معرفتهم بشقاوتي الزائدة إلا أنهم استطاعوا توظيف هذه الشقاوة في شيء مفيد قبل اللجوء إلي الطبيب النفسي استطاعوا أن يجعلوني أهتم بالقراءة بشكل نهم و القراءة هنا بدأت معي بقراءة الجرائد و المجلات قبل قراءة الكتب و خاصة المقالات فكنت وأنا في الثامنة من عمري اقرا مقالات لكل هؤلاء مع حفظ الالقاب لأحمد بهجت و أنيس منصور وهيكل و إبراهيم نافع و بنت الشاطئ و ثروت أباظة و إبراهيم سعدة و سلامة أحمد سلامة و سناء البيسي و عباس الطرابيلي و عادل حمودة و نجيب المستكاوي و اقرا صفحة النقد الفني و السينما في الجرائد القومية و المجلات. كان أبي يشتري الجرائد بشكل يومي و يحرص أن نقراها من الصفحة الاولي إلي الصفحة الاخيرة بما فيهم صفحة الوفيات في الاهرام التي جعلتني أتعرف علي شجرة العائلات في مصر و لما بدأت الصحف الخاصة المعارضة نوعا ما في الظهور في أواخر القرن الماضي أثناء فترة مراهقتي حرص أبي علي شرائها و قرأت فيها لمجموعة من كتاب الراي أصبحوا أصدقائي المقربين في ما بعد .
كل هذا الكم من القراءة و التنوع في ما اقرا أثناء طفولتي جعلني عندما أجلس مع الكبار استطيع مجاراتهم و فهم ما يقولون و جعلني عندما أجلس مع أقارني في نفس عمري أصبح ملفتا للانتباه لاني لدي معلومات سياسية و تاريخية و فنية و رياضية و اجتماعية ليست لديهم . جعلتني القراءة المتنوعة أكتسب ثقة في نفسي و أستطيع أن أعبر عن نفسي بسهولة و جعلت كثير من المدرسين يتغاضون عن شقاوتي لاني مطلع و لدي سرعة بديهة .
تكلمت عن الصحف و لكني دعوني أذكر لكم التلفاز و هنا يأتي دور والدتي لم تكن والدتي تمنعني من مشاهدة التلفاز كما كان يفعل بعض الأهالي مع زملائي .كنت اشاهد وانا في الخامسة من عمري أوسكار و نادي السينما و جولة الكاميرا و فكر ثواني واكسب دقايق و شموع و علي الطريق و العلم الايمان بجانب مشاهدة المسلسل العربي و الافلام العربي الابيض و الاسود و ليس الكارتون فقط .
كل هذا بقي مخزون لي أسترجعه في أي وقت مخزون حولني من مجرد طفل شقي مزعج للمدرسين و زملائه إلي أكثر طبيب نفسي شاب بلا فخر متواجد علي الساحة الإعلامية و كافة الاوساط الاجتماعية و الثقافية .
حتي الآن البعض يريد أن الغرض من كلامي بشكل مباشر دون تورية .
الغرض بشكل مباشر هو أن لا تنزعجوا من شقاوة أولادكم و أن هذه الشقاوة ليست نهاية العالم اعلموا أن بعض هذه الشقاوة وراها مواهب و ذكاء يحتاج إلي ملاحظة ومصابرة في اكتشافه .
استمعوا لاولادكم اجعلهم يطلعوا و لديهم الان وسائل أكثر حداثة للاطلاع و البحث و منصات للترفيه لم تكن موجودة في عصرنا
احترموا عقول أطفالكم و لا تبخسوهم حقهم اعطوهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم و عن أفكارهم الجديدة
و إلي المدرسين في المدارس قبل أن توصم تلميذك أنه مريض نفسي و شقاوته لا تحتمل ابحث علي الجوانب الإيجابية في شخصيته و اجعله يحبك و يقنتع بك و يحترمك
نعود مرة أخري للحديث عن الامراض النفسية التي ممكن أن تجعل ابنك طفل شقي
أكثر أنواع الاضطرابات السلوكية شيوعًا هي اضطراب التحدّي المعارض (ODD) و هناك ثلاثة أنواع رئيسية من اضطراب نقص الانتباه فرط النشاط
سنتكلم عن كل اضطراب بالتفاصيل في المرات القادمة.
