عمر مصطفى يكتب: ما عرفته عن الحياة من ابنتي المصابة بمتلازمة داون
4 سنوات مرت منذ أن رزقنا الله برهف، ابنتي الجميلة المصابة بمتلازمة داون، كانت فترة كافية لأتعلم الكثير عن هذه المتلازمة وغيرها من أنواع الإعاقات، وأن أتعلم عن ابنتي التي لا أتخيل حياتي بدونها، وأن أتعلم الكثير أيضا عن الحياة وعن اختيارات الله لنا، التي وإن بدا لنا بنظرتنا البشرية القاصرة أنها ابتلاء، فإنها في كثير من الأوقات تكون مليئة بالرحمات والهدايا الربانية التي لا يعوضها شيء.
هي تجربة ثقيلة دون شك، أن تستقبل طفلا لديه احتياجات خاصة دون أن تتوقع ذلك أو تستعد له أو أن يكون لك يد فيه، دون أن تعلم كفاية عن مشكلته وعن كيف يمكنك أن تساعده.
عمر مصطفى يكتب: ما عرفته عن الحياة من ابنتي المصابة بمتلازمة داون
السؤال الذي يظل يطاردك لفترة “لماذا أنا؟”.
والأسئلة الكثيرة غيره مثل “وماذا بعد؟”، و”من أين نبدأ؟”، و”كيف نستمر؟”، المشاعر المتلاطمة من غضب ورجاء، حزن وأمل، إصرار وقلة حيلة.
لن أسهب هنا في الحديث عن متلازمة داون من حيث أسبابها وأعراضها وتبعاتها، بل أود أن أستغل هذه المساحة الكريمة في مشاركة لمحات من تجربتي الشخصية والإنسانية مع ابنتي، والتي أعلم أن كثيرين غيري مروا بتجارب شبيهة لها دون أن يشعر معظم من حولهم بهذا أو يدركوا أبعادها. أن تكون مسؤولا عن طفل ذوى احتياجات خاصة في مجتمع مثل المجتمع المصري، ما زال مهمة شاقة تحتاج للكثير من الوعي من الجميع حول تلك الإعاقات وحقوق أصحابها في عيش حياة سعيدة وطبيعية مثل غيرهم، وفي بلد ما زالت تحتاج للكثير من الجهود لدعم أصحاب تلك الإعاقات وأسرهم والتخفيف عنهم، في الوقت الذي يعانون فيه بصمت على كل المستويات، نفسيا وجسديا وماديا أيضا.
مرت رهف ونحن معها بعملية قلب مفتوح وهي في عمر الثمانية أشهر، لعيوب بالغة في قلبها الصغير يعاني مثلها الكثير من أصحاب تلك المتلازمة، ورغم التحديات الكبيرة في النظام الصحي المصري، أحاطنا الله بوافر من الستر والفضل والدعم والحب من كثيرين، بعضهم لم نكن حتى نعرفه من قبل وسخرهم الله لهذه الصغيرة التي يبدو أنها وإخوتها من ذوى الهمم محاطون بدعم إلهي خاص لا يدركه إلا من عاش تلك التجاربقرأنا كثيرا وأصبحنا أعضاء في كثير من مجموعات الدعم الخاصة بمتلازمة داون في مصر وذهبت أمها للدراسة لعام كامل حتى تتعلم المزيد عن كيفية مساعدتها، مجتمع كامل من الأسر التي تتآزر لدعم بعضها البعض ودعم أبنائهم، والحمد لله الذي سخر لنا تقنيات لم نكن بدونها لنتلقى كل هذه المعرفة ونعرف كل هؤلاء الناس في هذا الوقت القصير، وإن كنا جميعا نجتهد في إنجاز مهمة صعبة وممتدة دون دعم كافي من المجتمع والدولة، فيبدو أننا نحتاج أيضا أن نناضل من أجل تحسين تلك الظروف التي هي أفضل من ذي قبل على أي حال.
لدينا الكثير من الأسئلة عن المستقبل، التعليم والصحة والتعايش في المجتمع، كل المعطيات تقول أن الظروف صعبة والتكاليف باهظة ماديا ونفسيا أحيانا بدون داع، نحن أسر وأهالي ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر نناضل لتوفير ظروف أفضل لأبنائنا يستحقونها، ولكننا نحتاج للكثير من الدعم الحقيقي والتفهم، فالأمر صعب وشاق دون حتى أي نضال لتوفير حقوق طبيعية وبديهية، الطريق غير ممهد أصلا ولا توجد خرائط لترشدنا.
هي ليست دعوة للتعاطف ولكنها دعوة للتعايش، فإن أبنائنا من ذوي الاحتياجات الخاصة هم كنز يجب أن نحافظ جميعا عليه، فهم من يذكرونا بضعفنا البشري وإنسانيتنا واحتياجنا للتعايش ودعم بعضنا البعض، ويذكرونا كذلك أن من تظنه ضعيفا محدودا قد يفاجئك بقدرات لا حدود لها فقط إن مددت إليه يديك، هم من علمونا أن الإصرار والعزيمة والأخذ بالأسباب هم أملنا في حياة أفضل، فكيف نرد لهم الجميل؟ كلي أمل أن الغد أفضل بإذن الله.
عمر مصطفي: صحفي مصري
لمتابعة أخبار موقع نساعد عبر google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا
اقرأ أيضًا
خبير قانوني: ذوي الإعاقة لهم حق بمساعدات شهرية طبقًا لأحكام قانون الضمان الاجتماعي