سلايدرقصتي

مريم الشهابي صماء تسمع بعينيها وتفهم من الشفاه

الطفلة البحرينية ولدت صماء ووالدها عالجها فى مصر لدى طبيب بدأ رحلة الكلام معها من عيادته

كتب – سليم سامي

كان اليونانيون القدامى يرفضون تعليم الصم لاعتقادهم استحالة استيعابهم للمعلومات ولأن فقدان الطفل السمع عقاب لأبويه على خطاياهم، وتغيرت هذه الفكرة عندما اكتشف راهب إسباني يدعى بونسي دي ليون طريقة لتعليم الصم قراءة الشفاه والتعرف على الكلمات، بعد أن كانت لغة الإشارة هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع فاقدي السمع.

وعلى مدار التاريخ كانت هناك قصص نجاح للصم آخرها مريم الشهابي التي تحدت العلم والأطباء والمجتمع ونطقت وتكلمت وتعلمت وتخرجت ونجحت بفضل حب والداها منذ عرفا من الأطباء عندما كان عمرها عاما ونصف العام أنها لا تسمع ما يعني بالتبعية أنها لن تتكلم.

مريم من مواليد 5 أغسطس 1988، وهي أم لطفلتين ياسمين وخولة، وتخرجت من الجامعة الأهلية في البحرين عام 2010 وحصلت على تقدير امتياز وتعمل في قسم الرقابة المالية في بنك البحرين الوطني منذ عام 2011.

ما الذى حدث لمريم قبل 30 عاما

بدأت مريم تخضع للعلاج عام 1990عندما أصبح عمرها عامين ورفض والداها أن يتعامل أحد أو أن يطلق عليها لفظ معاقة وقطع والدها وعداً على نفسه بأن يجعل مريم تنطق.

وقالت مريم إن الطبيب الذي شخص حالتها، وهو مصرى، قال لأبويها إنه يعلن وفاتها بسبب جهل الأطباء لمشاكل السمع، بينما لم يكن والدها يظن أنه سيرزق بطفلة ناقصة الحواس، ولكن حبه لها جعله يتخطى الصدمة فورا لأن حبه لها تغلب بسرعة على الصدمة.

وأضافت مريم إنه منذ 30 عاماً كانت الأدوات المساعدة للسمع بسيطة جداً ولا تفي بالغرض المطلوب خاصة بالنسبة لفاقدي السمع الشديد مثلها، وكان السائد في البحرين وفي العالم أيضاً أنه يجب على فاقد السمع إذا أرادوا التواصل مع الآخرين أن يستخدموا لغة الإشارة، إلا أن والدها بحث عن طريقة ومكان يساعدها على الكلام لأنه كما قال فيما بعد كان تشوقا ليسمع منها كلمة “بابا”.

ذهب والد مريم بها الولايات المتحدة الأمريكية ولكن كان يسود فيها نفس الفكرة بأن السبيل الوحيد أمام الصم للتعامل مع من حولهم هو لغة الإشارة باستثناء معاهد خاصة تعلم لغة المشافهة بالاعتماد على البقايا السمعية، لكن حالة مريم كانت صعبة لأنها تعاني فقدان شديد في السمع ولم يكن يوجد أدوات تساعد على رفع درجة السمع.

وفي البحرين أيضاً كانت لغة الإشارة أو ثقافة الصم والبكم هي السائدة، وبعد بحث طويل في عموم العالم العربي توصل والد مريم إلى وجود بعض المراكز التي تعلم النطق فى مصر، فانتقل ليقيم في القاهرة ولكنه اكتشف أن المركز الذى لجأ إليه غير مفيد.

الحل لدى طبيب مصرى

لم يتوقف والد مريم عن البحث حتى عثر على طبيب متميز يدعى محمد بركة، يعلم النطق عن طريق قراءة الشفاه، وكان له الدور الأكبر في تعليم مريم الكلام بهذه الطريقة.

كانت مريم تذهب إلى الطبيب يومياً لمدة 40 دقيقة، ثم تذهب إلى مدرسة لرياض الأطفال، مع تفرغ كامل لوالدتها، وبعد فترة من التعلم فى المدرسة والتدريب الطبى نطقت مريم كلمة “ماما” لأول مرة في حياتها وهي في سن السنتين.

عانت مريم ولا تزال من التنمر ولكنها دربت نفسها على التعامل معه وتخطيه خصوصا مع الرعاية والحنان والدعم الذى تحصل عليه من والديها اللذين علماها الثقة بالنفس والإيجابية نحو الحياة، ودرست مريم في مدرسة حكومية، التحقت بها في سن التعليم المعتاد وكانت أول طفلة من ذوي الهمم السمعية تلتحق بهذه المدرسة، إذ قبلت مديرة المدرسة وتدعى بهيجة الديلمي التحدي، وكذلك مدرسة الفصل وتدعى فاطمة عبد الوهاب هذا التحدى بقبول طفلة مختلفة عن أقرانها مع احتمالات تعرضها لمضايقات وتنمر من زملائها وهو أمر متوقع.

لم تكتف مريم بالتمكن من النطق عن طريقة قراءة الشفاه وإنما أرادت استكمال دراستها مثل أي طفلة عادية رغم أن كل يوم كان يحمل لها تحدياً جديدا، ما أكسبها قوة وزيادة في ثقتها بنفسها، “أصبحت جزءا من حياتي مثل الهواء والماء، كما أصبح الأخرون أكثر ثقة بقدراتى كما أصبحت مصدر إلهام لآخرين سواء أولاد أو آباء”.

أصعب ما واجهته مريم

الشيئ الوحيد الصعب أمامها هى قراءة الشفاه، إذا كان الفم صغيرا جدا أو كانت الشفاة رقيقة وغير بارزة.

تتذكر مريم أن ما جعلها تصل إلى ما وصلت إليه هو إصرار والديها على التعامل معها باعتبارها طفلة طبيعية وليست صماء لذا تصف طفولتها بأنها كانت مرحلة سعيدة بدرجة تفوق الوصف، كما كانت سنوات دراستها في الجامعة من أجمل سنين عمرها.

وقالت مريم: “لم أدرك أنني معاقة إلا عندما كبرت، والدي حاول المستحيل وتحدى الموروث ليجعلني أعيش مثل بقية الأطفال، لكن المجتمع ظالم أحيانا”.

وعندما تزوجت مريم وحملت كانت خائفة وتشعر بمدى معاناة أبويها عندما أنجباها ما جعل شعورها بالامتنان لهما يزيد.

حاليا مريم أم لطفلتين، ياسمين، 6 سنوات، وخولة 3 سنوات، وتقول عنهما: “علاقتي جميلة جداً مع ابنتي وذلك بفضل التربية والرعاية التي حصلت عليها في طفولتي، وأتمنى لهما أن يستمتعا بجمال الطفولة والسعادة التي عشتها، خصوصا أن والداي علمانى كيف أسعد وأجعل أسرتى سعيد بالحب” والأخيرة هى الكلمة التى ترددها مريم بشكل تلقائي خصوصا أن والدها ألف كتاباً بعنوان “حبيبتي ابنتي… سميتها… مريم”، سجل فيه يوميات مريم فى رحلتها والأحاسيس التى انتابته والصعوبات التى واجهته وابنته.

ولا تنس مريم فضل والدتها ووصفتها بـ”الجندي المجهول”، ولم تجد كلمات تصف حبها لها، أو تحاول شرح دورها في حياتها “لم أسمع منها كلمة جارحة حتى ونحن معا في مصر لمدة 4 سنوات بعيدا عن والدي والوطن والأسرة كانت مبتسمة دوما لتشجعنى أما والدي هو أكسجين حياتي، نحن روح واحدة تعيش في جسدين”.

ماذا تفعل مريم فى زمن كورونا

تتأقلم مريم مع التعايش في ظل انتشار فيروس كورونا، وترى الجانب الإيجابى من سياسة القاء في المنزل والتباعد الاجتماعى إذ تعيش حاليا فى منزل والديها مع أسرته الصغيرة كما تعمل فى نفس المكان وتعتبر هذه الفترة إجازة، خصوصا مع الحب الذى يجمع أفراد الأسرة التى تعلمت قيمة الترابط.

وتحلم مريم بالحصول على فرصة لخدمة المجتمع والإنسانية بشكل عامـ وتشارك تجربتها مع أسر ذوي الهمم السمعية، خاصة في مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، لتنمية السمع والنطق التابع للجمعية البحرينية لتنمية الطفولة.

وترى مريم أنه أنه يجب على المجتمعات العربية تغيير النظرة التقليدية للإعاقات الجسدية ويجب تقديم مساندة للأطفال ذوي الهمم، لأن لهم حقوق يجب أن يحصلون عليها كاملة، بجانب خلق وعي حقيقي لأسر ذوي الهمم بأن أطفالهم يريدون منهم الحب أولاص قبل أى شيىء ويجب أن تتقبلهم كما هم ليتقبلوا هم أنفسهم أيضاً ليصبحوا مصدر إلهام للآخرين.

اقرأ أيضًا 

العناني: عودة الطيران الدولي لثلاث محافظات أول يوليو

تفاصيل تدشين القوات المسلحة مستشفى ميداني بأرض المعارض لمرضى كورونا (صور)

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى