الدكتورة منال حسنة تكتب (كاذبون ولكن!!)

كاذبون ولكن!!
من منا لا يتمنى السلام، والخير، والقضاء على الفقر على وجه الأرض؟!
من منا لا يتمنى أن يساعد الفئات الفقيرة في تحسين معيشتهم؟!
لذلك نجد أنفسنا نتهافت في شهر رمضان إلى المساعدة بروحية عالية.
و هذه الروحية العالية تقترن بازدواجية أخلاقية نجدها لدى الأغلبية منا، وهي أن يبدي الأفراد اهتماماً بالمساعدة بينما يكون سلوكهم في الحياة اليومية متناقضاً مع تلك المشاعر، مثل تجنب التعامل مع الفقراء، أو تقليل التبرعات، أو الإسراف في الطعام على الموائد بينما جيراننا في الشارع المقابل لا يجدون ما يأكلونه على الإفطار.
وهذا يترجَم بامتزاج الشعور بالمسؤولية الإجتماعية مع بعض الممارسات السلبية.
فقد يكون لدى الكثير من الناس الرغبة في مساعدة الفقراء، لكنهم يشعرون بالتفوق عليهم، أو كمن يتعاطف مع شخص من أصحاب الهمم، ولكنه يرفض أن يدمجه بوظيفة يشاركه فيها.
فنعطي أنفسنا المبررات أننا سندفع الزكاة و الصدقة، وسينتهي الأمر.
ونبدأ يإقناع أنفسنا أن الفقر نتاج تقصير شخصي من الأشخاص، مما يقلل من الإحساس بالشفقة اتجاه الفقراء.
وهذه الإزدواجية في المعايير تصنف تحت بند التحايل الشعوري كي لا نقول الكذب على أنفسنا لنريح ضميرنا.
ازدواجية مريرة تعري نفوسنا أمام التجربة، ولكننا نرفض أن نطلق على أنفسنا صفة الكذب.
وفي الحقيقة نحن نكذب بطريقة لا واعية بأننا ملائكة على الأرض، و نحب الخير، فلو كان الأمر كذلك لانقطع الشر من الدنيا و لعشنا حياة مثالية، ولتغلبنا على جميع آفات المجتمع، ولتولى المُقعد رئاسة الدولة وحكم بعقله، ولأصبح المسكين مرجع، و لأضحكتنا نكتة سخيفة أطلقها فقير كما تضحكنا إن أطلقها الغني للمجاملة.
وهنا لا أتحدث عن كيفية القضاء على آفة الفقر أو المساعدة التي تترجم بكلام معسول عن التوعية، والمشاركة المجتمعية، وتعزيز الوعي، وتوفير الفرص للآخرين، أو عن إصلاح الكون.
بل أتحدث عن كيفية قراءة النفس وتأديبها في حال خالجتنا الازدواجية في المشاعر لأن العلة ليس بالآخر بل بنظافة السريرة.
لذلك حاولوا أن تسيطروا على سلامة هذه السريرة، وسيصلح الكون لوحده بكل بساطة، و بدون مجهود.
و إن لم تهتموا بسلامة سريرتكم اعرفوا انكم كاذبون، ولكن تحبون الخير !!
اقرا ايضا