مقالات الرأى

الدكتورة منال حسنة تكتب .. مُقعَد برتبة جنرال

 

في ظل الإنهيار الإقتصادي الحاصل في الكثير من الدول، أصبحت صعوبة المعيشة  واقعاً يومياً، والمواطن أصبح يكابد الأمرين لتأمين الحاجيات الأساسية، والحصول على ربطة الخبز أصبح يستوجب الوقوف أمام الأفران في طابور طويل مدته ساعات فيها من الذل ما يكفي ليدفع المواطن أن يكون قليل الصبر وسريع الغضب، ويفتعل المشاكل مع الآخرين، أو مع أي شخص يحاول أخذ دوره في طابور الإنتظار، وهذا النوع من المشاكل أصبح القوت اليومي لنشرات الأخبار.

كانت نافذة مكتب عملي تطل على شارع أحد الأفران، وكنت كلما سمعت ضجيجاً  أعرف ان هناك  شجاراً سيبدأ، ولكن في هذه المرة لفت إنتباهي رجل كبير السن على كرسي متحرك يضع على حجره ربطة خبز صغيرة الحجم، بعد أن كابد ساعات من الإنتظار ليتمكن من شرائها، وإذ بهذا الرجل يعود أدراجه إلى مكان الطابور عند سماعه شجاراً بين شابين يتقاذفون الكلام النابي من أجل أولوية الوقوف في الطابور.

شدني المشهد فتسمرت على النافذة لأعرف ماذا سيفعل، وإذا به يخترق الطابور متوجهاً نحو الشابين، وقام باعطاء ربطة الخبز لأحدهما  وأعطى الآخر دوره في الطابور ليعود الرجل المسن إلى الإنتظار كان المشهد صادما للجميع، فما كان من الشاب الأول سوى أن يعيد ربطة الخبز للمسن، وإلتزم بدوره، وعاد النظام الى الطابور، عندها تعالى صوت التصفيق تقديراً للمسن التي كانت أخلاقه  تستحق رتبة عالية لم أجد انسب من رتبة جنرال لأعطيها له،الجنرال الذي تمكن من  تنظيم طابور جيشه بكلمة، جنرالاً نبيلاً سلاحه الأخلاق، وهيبته ضميره الحي، جنرالاً لم يتحجج بكرسيه المتحرك، فلم  يمنعه من الإصلاح بل نزل على أرض الواقع ليحل مشاكل جيشه.

ذاك المسن أعطى كل من في الطابور درساً في الأخلاق التي تجبر الانسان على التقيد بالنظام.

رحت افكر  ماذا لو  كان الجميع بأخلاق المسن؟ فهل ستظهر طوابير الخبز، وهل سيضطر المسن المقعد من الوقوف فيها؟
كان المشهد مشهداً سريالياً لم تألفه العين، في تلك اللحظة تذكرت ما قاله ابن خلدون عن أطوار الدولة الخمسة : الظفر، والإنفراد بالمجد، ثم الفراغ والدعة، ثم طور القنوع والمسالمة، ثم الإسراف والتبذير.

ويربط ابن خلدون أطوار الدولة الخمسة بثلاثة أجيال فقط، الجيل الأول الذي يقوم بعملية البناء والعناية، والجيل الثاني يسير على خطا الجيل الأول من التقليد وعدم الحيد، أما الجيل الأخير فيمكن تسميته بالجيل الهادم، “فالدولة لها أعمار طبيعية كما للأشخاص”.

وفي هذه الحادثة عاد الجيل الأول ليقوِّم الجيل الثالث، ويذكرهم بما قاله الشاعر  أحمد شوقي:”وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ
فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبوا.”

لمتابعة أخبار موقع نساعد عبر  google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا  وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا  

اقرأ أيضًا 

إجراء مسح شامل لذوي الإعاقة بالأردن ومؤتمر صحفى قريبا لبيان أعدادهم  

ذوي الاحتياجات الخاصة .. تاج الدين: مجمع طبي عالمي لأصحاب الهمم

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى