“أمومتي اكتملت بتعلم لغة الإشارة”.. قصة كفاح مع ابن أصم
كتبت ـ سمر حسن
سيدة في العقد الرابع من عمرها، ابتسامة تعلن الرضا لم تفارق وجهها، حولت المحنة إلى منحة على مدار 22 عامًا، وقفت في وجه الجميع لتخلق مساحة آمنة لابنها، وتحميه من مجتمع لم يفهم لغته، عندما تتحدث معه بلغة لا يفهما سواهم، فرغت جُلّ وقتها لابنها ذوي الهمم من الصم والبكم.
“لما الباب أترزع جامد أوي وإسلام كان عنده 35 يوم وما اتفزعش عرفت أن فيه حاجة غلط”، بنبرات صوت ممزوجة بالحزن بدأت السيدة “منى” الحديث مع “نساعد” لتعود22 عامًا بذاكرتها لحظة مولد نجلها “إسلام” بشهرِ لتروي بداية معرفتها بأن ابنها من ذوي الصم والبكم. لم يكن الأمر سهلًا؛ بل كان كالصاعقة التي وقعت عليها “بعد لما عرفت عمل كذا عمليه ومقياس السمع طلع أن نسبة سمعة 10% ، وبعد لما جاله التهاب رئوي وهو عنده 5 شهور فقد السمع تمامًا”.
غريزة الأمومة تفوقت على العقبات فبدأت رحلتها مع نجلها، وطرقت كل باب يحمل بصيص أملًا؛ فأجرت قرابة الـ 7 عمليات لطفلِ لم يكمل عامة الأول، أملًا فأن يسمع ويدرك من حوله معبرة “لما عرفت أن إسلام مش هيسع ومفيش أمل ديه كانت أسود لحظة مرة عليا في حياتي كلها.”
تعرضت السيدة لمواقف عدة لم تجد سوى البكاء لتعبر به وتسرد لـ”نساعد” بعض المواقف القاسية “أنا كنت ساكنة ورا شريط القطر وكنت بكون مرعوبة لما إسلام يخرج من ورايا ويعدي شريط القطر ويجراله حاجة لأن كتير من الصم ماتوا بالطريقة ديه” لم تنتهِ المواقف خلال حديث السيدة فتذكر آخر “إسلام بيترعب من الكلاب في مرة كنت ماشية أنا وهو كلب عدى من جنبنا ساب أيدي وجري وملحقتوش العربية فرملت عند رجله والحمد الله محصلوش حاجة.”
لم تتوقف السيدة عن ذكر مواقف مشابهة للسابق ذكرها لذلك اضطرت أن ترافقه مثل ظله؛ مما جعل يومها في غاية الصعوبة بين عملها وبين ابنها الذي صممت أن تلحقه بمدرسة خاصة للصم وبالكم منذ عامه الثاني “كل اللي حواليا رفضوا أنه يتعلم عشان المسئولية كبيرة عليا وخاصة أني شيلاها لوحدي وكمان المصاريف كانت غالية لكن أنا صممت أنه يتعلم.”
عقب لحظات صمت تذكرت السيدة إصابة ابنها بارتخاء في العضلات إلى جانب فقدانه للكلام والسمع حتى عمر الخامسة “كنت بخلص جلسة التخاطب وأطلع على معهد الحركة وأشيله لغاية ما بقا عنده 5 سنين وأتعالج وبقا يعرف يمشي لوحده.”
تحدت “منى” جميع الصِعاب التي واجهتها مع ابنها، ومثلت أشد اللحظات قسوة بالنسبة إليها عندما لم تعرف ماذا يريد “في مرة وأنا باكل وهو طفل كان نفسه يقولي حاجة ومفهمتوش كنت بدبح كل مرة مكنتش بفهمه فيها وأفضل أعيط” ومن هنا قررت السيدة تَعلم لغة الإشارة، لكي تتواصل مع عالم ابنها. وبتعلمها لغة الإشارة أصبحت مسار دهشة واستغراب لمن حولها، ومثل ذلك عبء أضافي لطفلها آنذات ولها ” الناس كانت بتبصلنا وكأنه بني آدم غريب. الولد تعب جدًا وهو ذكي جدًا فكان بيسألني هي الناي بتبصلنا كدا ليه وبيقولوا أيه مكنتش بعرف أرد عليه”.
لم تقف الأم مكتوفة الأيدي فبدأت تبحث عن ملاذ آمن لابنها حتى وصلت إلى مدرسته بالمرحلة الابتدائية، وساندتها “المدرسة فهمتني إزاي اتعامل مع المواقف ديه وبدأت أمشي أنا وإسلام ولا كان حد حوالينا وبدأت افهممه أنه يكون معايا أنا وملوش دعوة بأي حد” حتى تجاوزت همزات ولمزات المحيطين.
استمرت رحلة السيدة الأربعينية مع نجلها حتى حصل على دبلوم تأهيل المهني الذي يحصل عليه الأصم، وتم تعيينه ضمن الـ5% الذي يحصل عليه ذوي الهمم بدار نهضة مصر للنشر. لم تقف السيدة عند هذه المرحلة فتحرص على منح ابنها العديد من الكورسات حتى تؤهله لسوق العمل، فحصل على دورات عديدة في علوم الحاسب الآلي “أنا نفسي يكون فيه مكان حلو وهو شاطر جدًا في الكمبيوتر وهخليني معاه لغاية ما يكون في وظيفة حلوة.”
لم يتوقف عطاء السيدة عن ابنها بل امتد لذويه من الصم والبكم، فساعدت أمهات عديدة في تعليم لغة الإشارة لإزالة عقبة عدم التواصل بين الأهالي وأبنائهم “علمت ستات كتير لغة الإشارة، وأي حد بيطلب مني أي حاجة مش بتأخر لأني أم وحسا يعني أيه أم متفهمش ابنها عايز أيه.”
“هو الوحيد اللي بيقلي كل سنة وأنتِ طيبة في عيد ميلادي وفي عيد الأم برده يجبلي الهدية ويبوس دماغي، ويعبرلي بلغة الإشارة”، بمناسبة حلول عيد الأم ذكرت السيدة الهدايا التي حصلت عليها من نجلها “كل الهدايا اللي جبهالي عندي وحتى لو جابلي وردة بتفضل معايا”. حصلت على تكريمات عدة من قبل جمعية رسالة، كما كرمت كأمِ مثالية من كبرى الجمعيات بمدينة الإسكندرية.
الأم تمنح دون مقابل، تتعب لتريح ابنها، واجهت الأصوات المحيطة وسبحت عكس التيار لكي تضع ابنها على بر الأمان، ما زالت تواجه الموجات المتلاطمة حتى تبني مستقبل ابنها، مختتمة حديثها مع مساعد “مش هستريح غير لما أطمن على إسلام ويتجوز ويكون في وظيفة حلوة، لأن حلمي في الدنيا هو”
اقرأ أيضًا
“الأوقاف” والأزهر يوقفان صلاة الجماعة والجمعة بمساجد الجمهورية
بالأرقام .. جدول زيادات العاملين بالدولة والمعاشات في يوليو