إبراهيم نوار يكتب .. لماذا تدفع مصر أسعار فائدة أعلى على السندات الدولية؟
يقول السيد وزير المالية في البيان المالي المقدم إلى نواب الشعب عن السياسة المالية وقوائم تدفقات الموارد والمصروفات أن جائحة كورونا قد تؤدي “إلى زيادة تفاقم عجز الدول، بما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وصعوبة وانخفاض حجم التمويل الخارجي المتاح لجمهورية مصر العربية، وبالتالي سيحد من القدرة على إصدار سندات بالعملة الأجنبية للوفاء باحتياجات تمويل عجز الموازنة وتنويع مصادر التمويل… ” وبناء عليه فإن الوزير يتوقع “ارتفاع تكلفة الإقتراض في موازنة 2020/2021.” ما جاء في البيان المالي هو ما حدث بالفعل في الإصدار الأخير للسندات الدولارية بتاريخ 21 مايو 2020 الذي حصلت فيه المالية على 5 مليارات دولار من المصارف الأجنبية. لكن التوقع الذي أورده السيد وزير المالية، والسندات المصدرة، والعائد المدفوع عليها في حاجة إلي قدر من المناقشة.
في حقيقة الأمر فإن الوزير في البيان المالي قدم قراءة خاطئة عن اتجاه أسعار الفائدة في العالم نتيجة لتداعيات وباء كورونا. الوزير يتوقع في البيان “إرتفاع أسعار الفائدة” ولست ادري من أين جاء بتلك القراءة بينما أسعار الفائدة في العالم تواصل الإنخفاض خلال الأشهر الأخيرة بسبب تباطؤ نمو الإقتصاد العالمي. ويبلغ العائد على سندات الخزانة الامريكية لأجل عام حاليا 0.16% مقارنة ب 2.36% منذ عام، كما يبلغ العائد على الإصدارات لأجل عامين 0.17% مقارنة ب 2.26% في نفس الفترة من العام الماضي .
ويبدو أن السيد الوزير كان يقرأ صفحة من كتاب قديم تقول بأن “تفاقم عجز الدول سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة” هذا صحيح في الظروف التقليدية العادية، لكن جائحة كورونا التي نعرف جميعنا بأنها ليست حدثا عاديا، لم تؤد إلى زيادة الطلب على السيولة، وإنما هي في حقيقة الأمر أدت إلى وجود أزمة في السيولة، مما استوجب تدخل الدولة لإتاحة سيولة رخيصة في السوق تساعد قطاعات الأعمال على تغطية العجز في السيولة الناشئ عن توقف عجلة الإقتصاد تقريبا بسبب كورونا. وشاركت البنوك المركزية ومؤسسات التمويل المختلفة بما في ذلك صندوق النقد الدولي ، في إتاحة السيولة على نطاق واسع لخطط التنشيط الإقتصادي.
صحيح أن العجز في ميزانيات الدول الصناعية عموما زاد إلى مستويات غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن هذه الزيادة ترافقت مع انخفاض تكلفة التمويل وليس العكس. وبلغ هذا الإنخفاض أشده في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، باحتساب عائد سلبي على السندات في السوق، وهو ما يعني أن المستثمرين حائزي السيولة يقولون للدولة خذى ما شئت ونحن على استعداد لأن نمنحك خصما مقابل الإقتراض وليس فائدة موجبة.
الغريب في الأمر أيضا أن الوزير الذي قال قبل شهر إن ظروف السوق ستحد من قدرة مصر على إصدار سندات دولية، لجأ بدون إنذار إلى هذه السوق. وعلى الرغم من انخفاض أسعار الفائدة، فإن مصر دفعت ثمنا أعلى للبنوك التي اكتتبت في تغطية إصدار السندات الدولارية الذي تم الإعلان عنه يوم الخميس 21 مايو قبل إجازة عيد الفطر مباشرة.
قيمة الإصدار بلغت 5 مليارات دولار موزعة على ثلاث شرائح:
– الأولى لأجل 4 سنوات بقيمة 1250 مليون دولار، بيعت بعائد 5.75%
– الثانية لأجل 12 عاما بقيمة 1750 مليون دولار، بيعت بعائد 7.625%
– الثالثة لأجل 30 عاما، بقيمة مليارين من الدولارات، بيعت بعائد 8.875%. وقد اجتذبت هذه الشريحة أكبر قيمة لطلبات الإكتتاب، بحوالي 7.6 مليار دولار مقارنة ب 6 مليارات للشريحتين الأولى والثانية.
شريحة السندات لأجل 30 عاما (2 مليار دولار) يبلغ قيمة عائدها خلال مدة الإستحقاق 5.325 مليار دولار، وبإضافة القيمة الأصلية (2 مليار دولار، تصبح القيمة الاستثمارية للسندات 7 مليارات و 325 مليون دولار أمريكي، أي أكثر من ثلاثة أضعاف القيمة الأصلية للإستثمار. ولا شك أنها صفقة مربحة جدا لحملة السندات.
وزير المالية لا يرى غضاضة ولا يساوره أي نوع من القلق عندما تسدد بلاده لحملة السندات 7.3 مليار دولار مقابل سندات بقيمة اسمية مقدارها مليارين فقط. هو لا يجد سببا للقلق، بل انه يفتخر بأنه “يطيل أجل الدين المستحق”. سياسة إطالة أجل الدين أيضا تحتاج إلى تدقيق ومراجعة، اذا كانت محصلتها هي زيادة تكلفة الدين.
ما يدعو للتساؤل حول عقلانية الإصدار الأخير للسندات الدولارية والعائد الذي قبلت به المالية، الذي سيتم اقتطاعه من الموارد العامة وبزيادة الضرائب، هو أن هناك أسبابا كان من المفترض أن تسهم في تخفيض تكلفة الإقتراض وليس العكس. من أهم هذه الأسباب ما يلي:
– جاء إصدار السندات بعد أن تلقت مصر قرضا من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.77 مليار دولار.
– من المفترض أن التصنيف الإئتماني لمصر قد تحسن، هذا التحسن يعني تخفيض الفائدة على القروض والإصدارات المالية الخارجية.
– من المفترض أن تستفيد مصر من انخفاض أسعار الفائدة على المستوى العالمي، بأن تدفع هي أيضا أسعارا أقل وليس أعلى.
– ميزان المدفوعات في مصر في وضع أفضل من دول كثيرة، ذلك أنها استفادت من انخفاض أسعار البترول ومواد الوقود.
– ونتيجة لذلك فإن صندوق النقد الدولي إستبعد حدوث انكماش اقتصادي في مصر ورجح تسجيل نمو موجب في حدود 2%.
إذا أخذنا العوامل السابقة في الإعتبار فإننا نستغرب هذا الارتفاع في العائد على السندات الدولارية الأخيرة. واذا أخذنا مبدأ المسؤولية الوزارية مأخذ الجد، فإن السيد وزير المالية يجب أن يقدم للنواب بشفافية المبررات التي على أساسها قرر طرح سندات بقيمة 5 مليارات دولار، بينما هو تقدم فعلا بطلب إلى صندوق النقد للحصول على قرض آخر بقيمة 4 مليارات دولار (غير قرض التمويل السريع الذي تم الحصول عليه فعلا بقيمة 2.77 مليار دولار)، وكذلك مبررات قبول أسعار فائدة أعلى من التي دفعتها مصر في العام الماضي على الرغم من تحسن ظروفها الإقتصادية كما تؤكد البيانات الرسمية.
وكانت مصر قبل عام تقريبا (فبراير 2019) قد باعت في السوق الدولية سندات دولارية بقيمة 4 مليارات دولار، موزعة على 3 شرائح، على الوجه التالي:
– الأولى بقيمة 750 مليون دولار، لأجل 5 سنوات، بعائد 6.2%.
– الثانية بقيمة 1750 مليون دولار، لأجل 10 سنوات، بعائد 7.6%.
– الثالثة بقيمة 1500 مليون دولار، لأجل 30 عاما، بعائد 8.7%. هذا العائد يقل بنسبة 0.175% عن عائد الشريحة لأجل 30 عاما التي بيعت في شهر مايو 2020
وارجو أن يتقدم نائب أو أكثر من نواب البرلمان بطلب لمناقشة الموضوع، وأن يتصرف الوزير بالقدر الكافي من المسؤولية في المناقشة. كذلك أرجو مناقشة مشروع الميزانية العامة للدولة بالقدر الكافي من المسؤولية والشفافية بدءا من بعض افتراضاتها غير الواقعية مثل افتراض سعر النفط على أساس 61 دولارا للبرميل، وصولا إلى أقل الأرقام التي تعني الكثير بالنسبة للمواطنين العاديين، مثل مخصصات الدعم التي ستنخفض قيمتها الحقيقية بأكثر من 9% بما في ذلك دعم السلع التموينية الذي ستنخفض قيمته الحقيقية بنسبة 14.6%.
اقرأ أيضًا
رئيس الوزراء: كشف وعلاج حالات كورونا دون التقيد بمحل السكن
الصحة: التباعد الاجتماعي مهم وهناك شروط لإجراء المسحة والذروة بعد أسبوعين