رضا عبد السلام يكتب .. من ذكريات عمرتي الأخيرة
غار حراء مهبط وحي السماء وهذا الشاب اليمني
أكرمني الله بزيارات كثيرة لبيته الحرام حاجا مرة منذ عدة سنوات ومعتمرا كثيرا وفي كل هذا المرات كنت أزور جبل النور الذي يوجد في أعلاه غار حراء من الطريق دون أن أصعد إلي قمته حيث بقعة النور التي أضاء الله بتنزيله فيها الكون
وفي هذه المرة عقدت العزم علي صعوده علي الرغم من التحذيرات من كل من صعده أنه شديد وأن المرتقي إليه صعب وطويل لكن شجعني عليها بعض الشباب وأخي الحاج أحمد الذي كان مشرف الرحلة وكانت الرحلة الشاقة بدنيا الشافية روحيا الزاكية نفسيا من أجمل الرحلات للصعود في عمري حيث صعدت إليه في حوالي ساعة حيث إن الجبل يوجد قبل أن تصل إليه طريق صعب الصعود عليه وكأنه “مطلع” وماأن تنتهي منه حتي تصل إلي بداية الجبل الذي تراه مختلفا في الشكل عن بقية الجبال حوله فحجارته ليست سوداء قاتمة وإنما تميل إلي البياض مما يعطي إحساسا بالرضا لكل من نقع عينه عليه.
وبدأنا الرحلة التي كانت علي درجات متعرجة بنيت علي الصخور ولشدة الصعود كنت أستريح كل فترة أسند ظهري علي صخرة من الصخور علي جانبي طريق الصعود ودار بعقلي وقتها كيف كان النبي صلي الله عليه وسلم يصعد كل هذا الجبل ولم يكن مهيئا بهذا الشكل وقتها ولم تكن هناك الوسيلة التي يستطيع الوصول بها إلا قدميه وفي النهاية وصلت إلي قمة الجبل ورأيت الغار من قريب رأي العين ولكن كان كلي إصرار علي دخوله ومعاينته ومحاولة تصور كيف كان الوحي ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم وكيف كان جبريل ينزل ومن أي مكان فرغم المشقة الشديدة تخللت بعض الصخور ومررت بصعاب شديدة وفي كل هذا يمسك بي أخي أحمد حتي لاتنزلق قدماي لكن في النهاية وصلت إلي الغار ووقفت أمامه فأحسست بشعور لم أحس به في حياتي هذا مكان كان يأتيه النبي صلي الله عليه وسلم وهذا مكان عين الله وعنايته عليه وهذا مكان التقت فيه السماء بالأرض وعن صلاتي فيه الركعتين كنت أحس أنني روحا بلا جسد وهذا وصفه كما رأيته فهو عبارة عن مكان يسع شخصا يمكن أن يصلي فيه مطمئنا ويمكن أن يجلس فيه مطمئنا يسعه المكان ويبقي جزء من الغار خاليا ويمكن أن ينام فيه مستريحا والغار من جهة اليمين لمن يقف أمامه مفتوح للسماء وهكذا يمكن تصور نزول الوحي علي الرسول صلي الله عليه وسلم من هذا المكان المفتوح للسماء كما يمكن تصور أن النبي صلي الله عليه وسلم يقضي في هذا الغار الليالي ذوات العدد كما تقول الرواية لأنه بهذا الوصف يصلح لذلك ففي الرواية التي جاءت في صحيح البخاري
” أول ما بدىء به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح ثم حُبِّب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حِرَاء فيتحنث فيه – وهو التعبُّد – الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوَّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوَّد لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال له: اقرأ، فقال: «ما أنا بقارىء»، قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهْد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَنَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاْكْرَمُ}» (العلق: 1 – 3)، فرجع بها رسول الله ﷺ يرجُفُ فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: «زمّلوني، زملوني» فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيتُ على نفسي»، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسبُ المعدوم، وتَقْري الضيف وتعين على نوائب الحق ”
رضا عبد السلام كبير مذيعي إذاعة القرآن الكريم