كتبت ــ سمر حسن
الإرادة تصنع المستحيل. أكدت “نادية” التي ولدت بضعفِ في شبكية العين وانتهى بها المطاف بفقدان البصر خلال عامها الجامعي الأخير هذه المقولة، قانونها في الحياة استخراج الأمل من العتمة، فعلى الرغم من الصعوبات التي واجهاتها إلى أنها صممت على استكمال تعليمها حتى تخرجت من كلية الآداب قسم التاريخ جامعة الإسكندرية في العام 2003.
جمعت الفتاة بين التفوق الدراسي وموهبة الصناعات اليدوية، فوجدت شغفها بصناعات “الهاند ميد” وكان عام 2007 البداية الفعلية لاكتشاف موهبتها في صناعة البامبو، وسبقه العديد من الحرف اليدوية مثل (صناعة الإكسورات- عجينة السيراميك- المكرميات- منتجات الخرز)، بينما فضلت التمكن من منتجات البامبو “أنا لقيت نفسي في البامبو وتمكنت منه جدًا”، وتطورت حتى أصبحت مدربة بجمعية “دنيتنا للمكفوفين” بالإسكندرية “من لحظاتي السعيدة لمّا بعلّم البامبو في الجمعية”.
كورس تدريبي لثقل مهاراتها في التدريس
ظل حلم التدريس يلاحق الفتاة الثلاثينية حتى أصبح واقع في العام 2015 وعملت معلمة بإحدى المدارس الابتدائية بالإسكندرية محل سكنها، كان الطريق مليء بالعثرات من أجل الوصول لحلم التدريس “أي صعوبات كنت بقابلها كنت لازم ألاقي حلول ليها زي مكان لازم أروحه”؛ إذ عملت إدارية بالمدرسة في البداية، فتقول لنساعد: “صعوبتي الوحيدة كانت أنهم يسمحولي أني أدرس للتلاميذ”، ذات يومًا اقنعت أحد المدرسين بمرافقته خلال شرح مادة الدراسات الاجتماعية، فانبهرر بطريقة تدريسها، ومن ثم تم السماح لها بتدريس مادة الدراسات الاجتماعية.
حاولت “نادية” صقل محاراتها التعليمية بالحصول على كورس تدريبي من إحدى الأكاديميات المتخصصة لتأهيلها لمزاولة مهنة التدريس، وذاع صيت تميزها وقربها من التلاميذ فتعبر: “الأطفال كانوا بيحبوني أوي وواحدة منهم قالتلي اعتبريني دراعك اليمين يا مس”.
قرار وزاري منع نادية من مواصلة حلمها بالتدريس
خالف الأمر الواقع أحلام نادية مرة أخرى، فخلال العام الماضي تقدم زميل كفيف بإحدى المدارس المجاورة لمدرستها بأنه يريد مزاولة مهنة التدريس بمدارس النور للمكفوفين فقط نتيجة لسوء المعاملة من قبل التلاميذ، وعلى أثر تلك الشكوى “طلع قرار وزاري أن كل المكفوفين ميدخلوش فصول، سحبوا مني الجدول ومنعوني عن دخول الفصل”، وأبلغها المدير بتحولها لمدرسة أنشطة، والفعل عملت معلمة رسم “كنت بشوف رسومات الأطفال بإحساسي”.
“أكتر حلم نفسي أحققه أنا أنجح في شغلي في المدرسة رغم الصعوبات الكتير إللي بتقابلني” حلم العودة لتدرس مادة الدراسات الاجتماعية يطارد نادية طوال الوقت، بينما أتت أزمة كورونا لتمنحها فترة راحة من الصراعات التي تدور بداخلها حول منعها من التدريس، واستثمرت طاقتها في تدريب البامبو بجمعية دنيتنا “ببقى مبسوطة وأنا بعلم البامبو في الجمعية وفي المدرسة أنا بكون مبسوطة وأنا قاعدة مع التلاميذ بكون مبسوطة”.
جمعية دنيتنا الملاذ الآمن لنادية
تعرفت حنان حشيش، رئيس مجلس إدارة جمعية “دنيتا” للمكفوفين على نادية منذ 10 سنوات، وانضمت نادية للجمعية كمدربة لصناعة البامبو منذ تدشينها عام 2017؛ إذ تهدف الجمعية لخدمة فئة المكفوفين ودمجهم في المجتمع، وتقدم خدمات متنوعة منها التدريب على (السجاد اليدوي- المكرمية- صناعة البامبو) إلى جانب كورال موسيقي يقدم الحفلات بمركز الإبداع، وسافر للمهرجان الدولي للموسيقيين المكفوفين وتعلق مؤسسة الجمعية “هما مهمين ومنتجين زيهم زي أي حد في المجتمع، لكن المجتمع معندوش الوعي بيهم”.
لم تقف الجمعية عند حد التدريب على الحرف اليدوية فقط بل تقوم بتسويق تلك المنتجات بواسطة أكثر من آلية تسويقية، فتقول “حشيش” أن الاعتماد الرئيسي في التسويق عبر صفحة الجمعية على الفيس بوك إلى جانب المعارض المتنوعة “بيفرحوا أوي لما المنتجات تتباع وتعجب الناس وبيحسوا بقيمتهم لأنهم مهمشين في المجتمع”.
“أمنية حياتي أني أعمل ورشة كبيرة أوي للمكفوفين للبنات والولاد” اختتمت مؤسسة الجمعية حديثها مع “نساعد” بهذه الكلمات، لافتة إلى أن الغالبية العظمى من فريق عمل الجمعية من المكفوفين “بقولهم دايمًا دا مكانكم لو أي حد زهقان من البيت ييجي يحكي ويتكلم إحنا كلنا أسرة واحدة في الجمعية”.
اقرأ أيضًا
الحكومة تعلن التزامها بالتصدي للفقر .. والتضامن تؤكد زيادة مستفيدي تكافل وكرامة
عامل يطلب الاستغاثة بالسيسي بعد بتر ذراعه بمصنع أبو هشيمة .. ورجل الأعمال يرد: حديد المصريين بيتك
التضامن تطلق مسابقة بجوائز 200 ألف جنيه وتدشن منصة تفاعلية وتنشر رقمًا للتواصل