الآثار النفسية لكورونا..دراسة لمركز المستقبل تكشف كيفية الحد من تأثير الجائحة العالمية

دراسة لمركز المستقبل تكشف كيفية الحد من الآثار النفسية لجائحة كورونا

كتبت ــ غادة سويلم

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الإماراتي دراسة كشفت كيفية الحد من الآثار النفسية لجائحة كورونا تحت إشراف الدكتور محمد عبد السلام المدير الأكاديمي للمركز.

كيف يمكن التعافي من تداعيات الآثار النفسية لوباء كورونا، والحد من مخاطره النفسية؟ وكيف يمكن تفكيك البنية النفسية والفكرية للوباء؟

هذا ما حاولت الباحثة داليا رشدي في جامعة القاهرة، أن تجيب عنه، من خلال طرح أسئلة حول الآثار النفسية، والعاطفية على الأفراد، الذين أصبحوا بمرور الوقت يميلون إلى العزلة فى حياتهم الاجتماعية.

نتيجة لحالة القلق المصاحبة لعدم اليقين. ومخاوف العدوى وتأثيرات التباعد الاجتماعي والعزل الإجباري.

فضلًا عن إيجاد الحلول العلمية حول أهمية التعافي النفسي، عبر عدة آليات من بينها: معالجة الآثار النفسية المباشرة للوباء. وخلق مناخ عاطفي إيجابي. وطرح الأفكار الإيجابية، إلى جانب تحقيق الرفاهية النفسية، عبر تقبل الذات والاستقلالية. وخلق آليات نفسية للصمود المستقبلي والتركيز على إيجابيات الذاكرة الجماعية للوباء.

كشفت الدراسة، التي نشرها “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، تحت إشراف المدير الأكاديمي للمركز، “الدكتور محمد عبد السلام”.

وأعدتها الدكتورة داليا رشدي، كشفت فيها، عن هيمنة جائحة كورونا، على حياة البشر.

وتزايد الضغوط النفسية التي يواجهها الأفراد في دول العالم كافة. نتيجة حالة القلق المصاحبة، لعدم اليقين. ومخاوف العدوى. وتأثيرات التباعد الاجتماعي. والعزل الإجباري.

الآثار النفسية لكورونا .. وخصوصية الوباء

تحدثت الدراسة، في البداية عن ما وصفته، بالخصوصية النفسية والمجتمعية لـجائحة كورونا، لافتة إلى أن “خصوصية الوباء”، تعكس أبعاد اجتماعية ونفسية.

كما لم تشهدها الأوبئة السابقة. مشيرة إلى أنّ، “عالمية الانتشار، وأفقية التزامن. وتعدد آليات العدوى، كلها عوامل كرّست خطورة وباء كورونا.

إذ أدّى الفيروس، إلى دخول العالم في حجر صحي، دون أن يعد العدة لمثل هذا التغير الجذري.

كما نتج عنه توقف عجلة الحياة والإنتاج وتقطيع أواصر العلاقات بين المجتمعات.

قسمت الدراسة، الخصوصية النفسية والمجتمعية لجائحة كورونا، إلى:

عالمية الانتشار وأفقية التزامن وتعدد آليات العدوى

التأثير الجذري على المسار الطبيعي للحياة وإجبارية التكيف

التباعد الاجتماعي والنفسي والعزلة الإجبارية

نقص مساحة الخصوصية النفسية

الضغوط النفسية عسيرة التكيف

المناخ العاطفي السلبي ونقص المناعة النفسية

التناقضات النفسية والقيمية والدينية

التغيرات النفسية العميقة والتداعيات طويلة الأمد

تأثير نقص مساحة الخصوصية النّفسية على الأفراد حول العالم:

وأشارت الدراسة إلى نقطة هامة أخرى، وهي ما عرَفته بـ “نقص مساحة الخصوصية النفسية”، حيث أوضحت، أن علم النفس أولى اهتماما خاصا بدراسة الآثار النفسية للمكان على سلوكيات الأفراد، بجانب تركيزه على مفهوم الخصوصية النفسية، أو المساحة الخاصة التى يحتاجها الفرد فى تعاملاته الاجتماعية.

واعتبرت الدراسة، أنّ الجائحة كرّست مشاعر الوحـدة أو الانفراد. لافتة إلى أنّ التباعد الاجتماعي أصبح مطلباً أساسياً في كل الدول التـي تعرضت لهذا الوباء، وأصبـح الشّعار الرّئيسى للمجتمعات هــو “في التباعد حياة”، وهــو أمــر مستجد على المجتمعات الإنسانية، التي تقوم على شبكة عنكبوتية مــن العلاقات بالآخرين، تحفظ لهم توازنهم النفـسي وهويتهم الاجتماعية”.

ووفقًا للدراسة، فإن “هذه العزلة تؤدي إلى مشكلات نفسـية. إذا مـا فُرضت على الأفـراد لفـترة طويلة من الزمن. لأنّ الإنسان يجد المعنى والهدف مـن الحياة، ويتغلب على التحديات المادية والنفسية، التي تحولت للأسوأ، دون تحقيق طيب الحياة، من خـلال كيانه الاجتماعي وعلاقاته الناجحة بالآخرين”.

وفى السياق ذاته، حددت الدراسة ثلاث حالات للخصوصية تتمثل فى :

الوحدة أو الانفراد فى مكان بعيد، بعيدًا عن أنظار الآخرين. للقيام بعمل أو للحصول على قسط من الراحة.

المكان العائلي الذي يتعلق بخصوصية اثنين أو أكثر يتقاسمون العيش في مكان ما.

المجهولية وهي حالة من الخصوصية، تشعر الفرد بالراحة والهدوء إذا تواجد في مكان عام لا يعرفه فيه أحد.

الفرق بين الانعزال والخصوصية:

وفرقت الدراسة حول مفهوم الانعزال والخصوصية، قائلة: إن الانعزال، محاولة للانفراد فترة محدودة من الزمن لتحقيق هدف انفعالي أو عقلي.

بينما العزلة، “هي على العكس تشير إلى الإحساس بأن انفراد الشخص في مكان محدد مفروض عليه من طرف خارجي”.

ظاهرة الازدحام الأسرى:

تحدثت الدراسة، عن “الإجراءات السّاعية إلى احتواء الفيروس، والتي أدت إلى النيل مـن المساحة الخاصـة للأفـراد الذين أُجبروا علـى المكوث في منازلهم، في ظاهرة أطلق عليها البعض (الازدحام الأسري)، مـا يُنـذر – مـن وجهـة نظر علماء النفـس- بتعرضهم لمشكلات نفسـية، جراء العزلة التي فرضت عليهـم وأجبرتهـم كأُسر، على البقـاء معـًا في مكـان واحـد لأطول فترة ممكنة، وهو أمر يحمل في طياته جانبًا إيجابيًا، حيث يؤدي إلى ازدياد الروابط الأسرية”.

الضغوط النفسية “عسيرة التكيُف”:

رصدت الدراسة أيضًا، ما أسمته بـ “الضغوط النفسية عسيرة التكيف”، وهي الضغوط التى يواجهها الإنسان الى أربعة مصادر كبرى تشمل:

تغيرات حياتية أو تحولات جذرية في اسلوب المعيشة: ينتج عنها شعور بالضغط النفسي الشديد نتيجة عجز الفرد على التكيف معها.

مشكلات صحية كالمرض أو الخوف من المرض، وهو الأمر الذي يفسر تزايد نسبة الأمراض في أوقات الأزمات.

المشكلات الاجتماعية وأحداث الحياة اليومية، التي تنال من حرية الفرد وتمنعه من ممارسة حياته الاجتماعية بالشكل الذي يرضيه.

ضغوط العمل والإنجاز الأكاديمي، مثل ضغوط الدراسة والعجز عن تنظيم الوقت والمنافسة الشديدة.

في عصر الوباء.. المشاهد السلبية هي الأكثر انتشارًا بين الأفراد:

واعتبرت الدراسة، أنّه “في زمـن الأوبئة تتبوأ المشاعر السلبية صدارة المشهد في المجتمعات الموبوءة، لتُشكل مناخًا عاطفيًا جماعيًا يغلب عليه الطابع السلبي، وتتولد مشاعر مثل: القلق، والخوف وعدم الثقة واللايقين، وغيرها من المشاعر التي تؤدي إلى نقص المناعة المجتمعية، حيـث تقليل قدرة المجتمعات علـى مواجهـة الأزمـات، وانهيـار الـروح المعنوية، وتحول المـزاج الجماعي فيهـا إلى مـزاج سـلبي يولـد مزيـدًا مـن المشاعر الهدامـة التي تتجـدد تلقائيـاً مـع انتشـار المرض”.

ووفقًا للتحليلات التي استندت عليها الدراسة، فإن “إمكانيـة تغيّر سلوك الأفراد النفـسي والاجتماعي، بل والسياسي أيضـاً، تحـت وطـأة الأزمة، وخاصـة مـع مشـاعر الخـوف التي قد تقود الأفـراد إلى تقليل التفاعل الاجتماعي والانخراط السياسي والانسجام أكثـر مـع المعايير السـائدة، والتصـرف وفقــاً لسياســة القطيــع، والقبـول الأقل للتمـرد والخــروج عــن المألوف، كما قد تصبح الأحكام الأخلاقية أكثر صرامة والمواقف الاجتماعية أكثر تحفظــاً عنــد النظــر في قضايــا مثــل الهجــرة أو الحريــة الجنســية والمساواة”.

ولفتت الدّراسة، إلى إنّ “الأوبئة تؤدي إلى خلق بيئـة نفسـية تهديدية بديلة عــن البيئـة الآمنة التي كانت تحيا فيهـا المجتمعات، وتشتمل علـى عنصريـن:

الأول هـو التحديـات التـي يواجهها الأفـراد أثنـاء الأزمة، كإرضـاء الاحتياجات، والتكيف مـع الضغـوط، والصمود أمـام خطـر الوباء.

أمـا الثـاني فهـو الخيارات السلبية التـي يتعـرض لهـا الأفراد، كالصعوبـات والخسائر والمعانـاة، وغيرها مـن الخيارات التـي تولـد بيئـة مهدّدة للفرد”.

وأضافت الدراسة، أن تلك النقاط السابقة، تساعد في خلق بنيـة نفسيـة اجتماعيـة، تهدد الفرد عـلى المستويين المادي والمعنوي، في المجتمـع، والتى تزيد آثارها نحو مستويات أعمق كلمـا طالـت فـترة الوبـاء.

المعتقدات المجتمعية الجماعية فى عصر وباء كورونا

بحسب الدراسة، “هي مجموعـة مـن الإدراكات، يشارك فيها أعضاء المجتمع، وتتعلق بالأزمة التي يواجههـا، موردة أن هـذه المعتقدات “عادة مـا تظهـر في أوقـات الأوبئة، إلا أنّها ليسـت (مُوحدة)، تساهم في تغذيـة التوجه العاطفي للمجتمـع، وتساعد على تشكيل البيئـة، لتفسيـر وتقييـم المعلومات بيـن المجتمعات، إذ تختلـف مـن مجتمـع لآخر ومـن ثقافـة لأخرى، ومنهـا علـى سـبيل المثال:

1- المعتقد الدينـي: الاعتقاد بـأن الوبـاء هـو عقـاب مـن الله:

بحسب الدراسة، كثيرًا مـا يعتقـد النـاس عنـد انتشـار الوبـاء، بغـض النظـر عـن نـوع الديانـة التـي يديـن بهـا أصحابهـا، أو الدولـة التـي ينتمـون إليهـا؛ أن هـذا الوبـاء مـا هـو إلا صـورة مـن صـور غضـب الله، وأنـه عقـاب للبـشر عـلى مـا اقترفـوه مـن آثـام. وتـؤدي هـذه النظـرة التشاؤمية إلى الاستسلام لتداعيـات الوبـاء، باعتباره أمـرًا واقعـًا.

2- المعتقد السياسي: الاعتقاد بنظريـة المؤامرة والأيادي الخفيـة:

مـن أهـم المعتقدات التـي تؤثـر علـى إدراك الأفـراد للوبـاء نظرية المؤامرة التـي تشير إلى تورط أطـراف خارجيـة في صناعـة الأزمة، ليصبح الفيروس المسبب للوباء مخلوقـًا داخـل المعامل وليـس حدثـًا بيئيـًا أو طبيعياً، وذلـك كجـزء مـن لعبـة دوليـة عالمية تستهدف النيـل مـن قـوة دول كـبرى تتنافـس على قيـادة النظـام.

3 -السلوكيات المجتمعية الجماعية.. أبرزها: تخزين السلع الاستهلاكية:

تـؤدي المشاعر والمعتقدات التي تصاحب الأفـراد خـلال فتـرة الوباء، إلى ظهور سلوكيات جماعية. بعضهـا يغلـب عليـه الطبـع السـلبي، – تختلـف مـن مجتمـع لآخر حسـب ثقافتـه وقيمـه ومعتقداته ودرجـة تحـرره-. مثـل:

اسـتخدام العنـف للحصـول علـى الاحتياجات الأساسية.

والعـدوان على الآخرين مـن منطلق الدفـاع عـن النفس.

ظهـور سـلوكيات تعكـس مـدى الخـوف، الـذي يشـعر بـه الأفراد وأنانيتهـم، مثـل: تخزين السـلع الاسـتهلاكية، الـذي يـؤدي إلى خلـق أزمـة شرائية.

وتقف الدراسة عند مراحل التعافي النفسي من الجائحة، عبر تقديم مجموعة من الخطوات:

القــدرة الاستيعابية:

وهــي القــدرة علــى الامتصاص والتأقلــم مــع الصدمـات والضغـوط، والتغلـب علـى التهديدات الفوريـة، والحفاظ عـلى “مخـزون” كاف ومتنـوع مـن أنـواع مختلفـة مـن رأس المال.

القــدرة التكيفيــة :

وتعنــي القــدرة على التعلــم وتعديــل المسارات، والاستفادة مـن الخـبرات السـابقة، واتخـاذ إجـراءات مدروسـة فيهـا استجابة للصدمـة، وتسخير المهارات والموارد بشـكل فعـال للتعافي والحفاظ على تنوع المسارات والخيارات والإبقاء على وظيفـة النظـام.

القـدرة الاستباقية:

وهـي القـدرة على توقـع مخاطـر محـدودة والتخطيـط والاستعداد بشكل فعال.

القـدرة التحويلية:

كما تشمل القـدرة على تحديـد الأنظمـة، والعوامـل التي تخلـق المخاطـر. وتتسبب في عـدم المساواة. وصياغة مؤسسـات تعمـل علـى تحسـين رفاهية أفرادهـا. وتعزيـز القـوة المجتمعية المستقبلية وقـت الأزمات. وتنميـة القـدرة علـى الابتكار، وإيجاد فـرص للتحول، عندمـا تندلـع الأزمة. فضلًا عـن خلـق رؤيـة جديـدة، قائمة علـى المشـاركة والإنصاف والتمكـن.