تقارير

تطور مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام

كتبت: ماهي نبيل

 

كان ذوى الاحتياجات الخاصة فيما مضي يسمون بالمقعدين، ثم اطلق عليهم لفظ ذوى العاهات ثم مسمي العاجزين ولما تطورت النظرة إليهم على أنهم ليسوا عاجزين وإنما المجتمع هو الذي عجز عن استيعابهم وتقبلهم والاستفادة من قدراتهم ومواهبهم، التي يمكن أن يتفوقوا بها على أقرانهم الأسوياء، عندئذ غير المجتمع نظرته للمعاقين، وأصبحت المراجع العلمية تسميهم المعاقون بمعني وجود عائق يعوقهم عن التكيف فى المجتمع، ولاشك أن التسميات الإيجابية مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ذوي الصعوبات تعطي انطباع وتفاعل جيدا لهم مع المجتمع وهذه المسميات أيدتها دراسات وتقارير أفادت العاملين معهم وكذلك المجتمع بأكمله.

وحث الإسلام الإنسان بأفضل الأسماء وأحسها، أن ينادي بأحب الاسماء إليه فالمسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما أن إدخال السرور على المسلم مما يؤجر عليه.

أما في عهد الإسلام فقد ساوي بين الناس على أساس أن التقوى هي المعيار الذي سيحاسب عليه العبد يوم القيامة ودليل ذلك قول الله تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات آية١٣

ولقد أهتم الإسلام اهتمامًا بالغًا بكل فئات المجتمع وحرص المسلمون على الرعاية الكاملة للضعفاء، وذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أوصي القرآن الكريم بنصرة الضعيف وإعانته ومن الآيات الدالة على هذا المعنى (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَىٰ وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة التوبة آية٩١

وفي التاريخ القديم نجد أن هناك بعض العصور التي اتسمت بالقسوة مع المعاقين كالدولة الرومانية التي عملت على التخلص منهم حيث وصف القانون الروماني المعاق بالعته والبلاهة، وقديما كان الفراعنة يخلصون من الأطفال المعاقين لكنهم مع الوقت بدأوا في علاج بعض حالاتهم، والفيلسوف أرسطو كان يري ان بعض أصحاب الإعاقات السمعية لا يمكن تعليمهم، وكذلك أفلاطون كان يري بإخراج المعاقين من مدينته الفاضلة وكان القانون الإنجليزي القديم يحرم بعض فئات المعاقين من الحقوق التي لهم

وتدل الآية على أن الضعفاء والمريض ليس عليهم مشقة القتال مع إخوانهم الأصحاء

وقد تكرر في القرآن لفظ ( لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) في أكثر من موضع مختلف

قصة عبد الله بن ام مكتوم

وفي صدر الإسلام نجد أمامنا نموذج ومثال وقدوة كبيرة خلدها القرآن الكريم في الحث على احترام منزلة ذوي الاحتياجات الخاصة وهي قصة عبد الله بن أم مكتوم ذلك الأعمى الذي حضر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ليجلس معه كما تعود فأعرض عنه الرسول لانشغاله بدعوة سادة مكة ومحاولة جذبهم الي التوحيد وأدار وجهه عنه والتفت إليهم، فجاء عتاب الله لنبيه في سورة (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ) وبهذا بين الله تعالي ان منزلة هذا الضرير خير عند الله من هؤلاء الصناديد الكفار

 دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع

لقد أعطي الإسلام مثالا رائدا علي دمج المعاقين في المجتمع، فقد ولي رسول الله صلي الله عليه وسلم ابن أم مكتوم علي المدينة عندما خرج لإحدى غزواته وهو ضرير، وقد أوصي الإسلام بالعدل بين أفراد يكون صاحب العاهة أفضل وأكرم عند الله من ألف صحيح معافي فقال الله تعالى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فالميزان الحقيقي هو التقوى وليس المال أو الجاه او الصحة، وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ان الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم)

 علماء المسلمين مع الإعاقة

وكان من علماء المسلمين أنفسهم من يعاني من إعاقة ومع ذلك لم يؤثر عليهم بل بالعكس أصبحوا أعلاما، ومنهم معاذ بن جبل رضي الله عنه، حيث اختاره الرسول صلي الله عليه وسلم من بين المسلمين ليرسله الي اليمن عاملا عليها وكتب إلي أهلها(اني بعثت عليكم خير أهلي) وقد كان معاذ رضي الله عنه أعرج، والصحابي الجليل عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة الذي كان مرجعا للأمة في العلم الشرعي علي مر الزمان علي الرغم من فقده لحاسة البصر، ومنهم أيضا محمد بن سيرين وكان ذو صعوبة سمع شديدة وعلي الرغم من ذلك كان راويا للحديث ومعبرا للرؤي

أمثلة لاهتمام الدولة الإسلامية بالمعاقين

ومن أمثلة اهتمام الدولة الإسلامية بالمعاقين أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قد حث على إحصاء عدد المعاقين في الدولة الإسلامية، ووضع ابو حنيفة تشريع يقضي بالنفقة من مال المسلمين على المعاق، وقد بني الخليفة الوليد بن عبد الملك أول مستشفى لعلاج المجذومين عام ٨٨هجرية، وأعطي كل مقعد خادما وكل أعمى قائدا

والامويون عامة دشنوا دورا للمعاقين وأنشأ الخليفة المأمون للمكفوفين والنساء العاجزات في بغداد والمدن الكبيرة، وغيرهم كثير

ولقد حذر النبي أشد التحذير من تضليل الكفيف عن طريقه أو إيذائه عبثا وسخرية فقال (ملعون من كمه أعمي عن طريق) رواه أحمد.

وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يقول عن عمرو بن الجموح رضي الله عنه وكان أعرج (سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح) وقال إليه ذات يوم: كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة.

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى