سلايدرمقالات الرأى

عبد الله السبع يكتب .. ومن يقينا من السياسة وآفاتها؟!

 

 

تحوَّل الخوفُ من ڨيروس كورونا إلى رُهاب؛ فبمجرد عطس أحدِهم بقُربك؛ تفـرُّ منه مذعورًأ! فالڨيروس الجديد قاتل، وتُسبِّب العدوىٰ به التهاباتٌ حادة بالجهاز التنفسي.. وقانا الله منه والقراء أجمعين.

وللآن.. لا علاج ناجح له، ولا لقاح معروف يَقينا شـرَّه، كما أنه انتشر بوتيرة متسارعة على كوكب الأرض جمعاء! ولا يُخفِي مسئولو منظمة الصحة العالمية أن العالم يُواجه هذه الأيام “وضعًا خطيرًا”.

ويكافح مسئولو الصحة في كل بلدان الدنيا هذا الڨيروس الغامض؛ لدرجة أن إجراءات الوقاية منه.. وصلت في بعض الدول إلى فَرض حَجْـرٍ صحيٍّ على مدن كاملة يَقطنُها الملايين؛ بسبب تأثرها بالڨيروس!

فهل هذا وضعٌ لم يُسبَق من قبل؟ وهل تلك أوقاتٌ لم تمر بها البشرية سابقًا؟ التاريخ يُجـيبُنا: بأنه بين عامي: 1918م و1919م؛ أصابت “الأنفلونزا الإسبانية” شريحة كبيرة من سكان العالم، وتسبَّبتْ في وفاة ما لا يقل عن 40 مليون شخص!

وأنه بين عامي: 1957م و1958م؛ أودَت “الأنفلونزا الآسيوية” بحياة قُرابة 4 ملايين شخص، فيما تسبَّبتْ “أنفلونزا هونج كونج” في عامي: 1968 و1969م؛ في وفاة مليوني شخص.

وفي عام 2003م؛ ظهر وباء الالتهاب الرئوي الحاد اللا نمطي “سارس” – في الصين أيضًا – الذي أصاب ما يربو على 8 آلاف شخص، وأدىٰ  إلىٰ وفاة أكثر من 800 شخص في العالم.

كما عانت البشرية خلال السنوات القريبة الماضية من نوعيات أخرىٰ من الڨيروسات والأمراض. وعلىٰ سبيل المثال؛ ففي العِقْد الماضي من الألفية الثالثة؛ هاجمتنا ڨيروسات من نوعية: “أنفلونزا الطيور”، و”أنفلونزا الخنازير”، و”جنون البقر”.. إلخ؛ التي كانت تنتقل بسهولة من الدواجن والحيوانات إلىٰ البشر!

ولا تزال تلك الڨيروسات تتسبَّبُ في إصابة من 3 إلىٰ 5 ملايين كل عام، وتحصد أرواح من 250 إلىٰ 500 ألف مريض، بحَسْب أرقام منظمة الصحة العالمية.

.. فإذا نحََّـيْنا الأمراض والأوبئة جانبًا؛ فإن البشرية أيضًا كم عانَت من غضب الطبيعة؛ المتمثل في: الأعاصير والعواصف التي ضربت الكثير من دول العالم. ولعلنا نتذكَّر “تسونامي” الشهير؛ الذي كان عبارة عن سلسلة من أمواج البحر السريعة والقوية.. التي يُمكن أن يصل ارتفاعها إلى 40 مترًا؛ والتي تَنتُج عنها: زلازل أو ثورات براكين، وقد تتسبب في سقوط شُهب من الفضاء الخارجي في البحار والمحيطات!

وآخر إعصار ما زلنا نذكره من نشرات الأخبار؛ كان إعصار “ساندي” الذي ضرب السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات قليلة، وتسبب في مَوْت المئات، وقَطْع الكهرباء عن 6.5 مليون شخص وأغرق منازل تُؤوي قرابة 750 ألف شخص!

والأوبئة برغم ضراوتها؛ فإنه من الممكن مع اتباع إرشادات النظافة – بشأن غَسل اليدين بانتظام، والعطس بوضع المناديل الورقية علىٰ الفَمِ – الإسهامُ في وقف قدرة الڨيروسات علىٰ الانتشار. كما أن الكوارث الطبيعية التي تُؤذي البشر والحيوانات، وتُهدِّد البيئة – ورُغم ما تُسبِّبُه من كوارث – فإنها مظهر من مظاهر مناخ الكرة الأرضية؛ لأنها تنقل الحرارة والطاقة.. كما يقول العلماء.

.. وعمومًا؛ فإن كلُّ ما تُقـدِّرُه السَّماءُ لنا من جوائح وابتلاءات.. أقبلُ به وأرضىٰ عن طِيب خاطر. لكنَّ الذي لا أقبَلُ به أبدًا، ويُحيرني كثيرًا، وأعجز عن فهمه، ولا أجد له تبريرًا إلى الآن؛ هي المجازر التي تدور علىٰ كوكب الأرض، ويَشنُّها بنو الإنسان ضد غيرهم من بني الإنسان؟!

ففي منطقتنا العربية مثلا، ولأكثر من 70 عامًا الماضية؛ ارتكب الصهاينة العديد من الفظائع التي لا تُنسَىٰ ضد العرب والفلسطينيين، والتي يَسطُر التاريخُ بها سِجلاً دمويًّا أسودَ إلىٰ قيام الساعة؛ واُذكِّركم بأمثلة منها، مثل مذابح ومجازر: دير ياسين، وكفر قاسم، وخان يونس، وصبرا وشاتيلا، وعين قارا، ومُخيِّم جنين، وقانا.. هذا بخلاف الاعتداءات المتكررة علىٰ: المسجد الأقصىٰ والحرم الإبراهيمي، وقطاع غزة!

ولم تتورع إسرائيل عن استخدام أسلحة محظورة خلال تلك الاعتداءات؛ حيث تؤكد تقارير دولية أن الأسلحة التي يستخدُمها جيش الاحتلال تُؤدي إلىٰ احتراق أجساد الفلسطينيين، إضافة إلى حدوث انتفاخات غريبة وتَسمُّمٍ في الجسم، وبخاصة في الأطراف.. ومِن ثَمَّ الوفاة!

كما سبق لجهات أوربية محايدة أن أثبتت؛ استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي أسلحة ضد الفلسطينيين تَحوي مادة الفسفور الأبيض.. بما لها من آثار تدميرية خطيرة؛ حيث تُسبِّب إصابات مُحرِقة في الجلد، وقد تخترق العظام!

.. ومؤخرًا، وقبل أن ينشغلَ العالمُ بالهَوس من كورونا؛ كانت أنباء المحارق تأتينا متسارعة عن حروب الإبادة ضد الأقليات المسلمة في: دولة بورما، وفي إقليم شينجيانج الصيني، وعن المصادمات الدامية في دولة الهند من جانب الهندوس ضد المسلمين هناك! كما كنا في عالمنا العربيِّ مَشدوهةً أبصارُنا تُجاه سوريا، والمجازر الدموية التي كانت تقعُ هناك في: دير الزُّور والغوطة الشرقية وإدلب.. وغيرها من المناطق!

ويَقيني أن نوازل السَّماء – وإن طالَ بأسُها – سيرفعها ربٌّ كريم، وظني به أنه إلهٌ رحيم بعباده؛ ربما يُربيِّهم ويُؤدِّبُهم بالشدائد لبعض الوقت؛ عساهم يَفيقون من عمَاهم، وتَنْجَـلي بصائرهم.. وكلُّنا يقسو على مَن يُحبُّ؛ غير أنه أرحمُ بنا من الأمِّ بولدِها.. أليس سبحانه القائل: }هذا بلاغٌ للناسِ وليُنذروا بِه ولَِيعلَموا أَنما هو إِلَه واحد وليذكَّر أولو الألَباب{. [إبراهيم: 52].. وقد أُنذرِنا، وعَلِمَنا.. ربَّنـا.

.. فهل يَعلمُ ويُنذرَوا أيضًا مَن بيدِهم مصائر الخلائق على كوكب الأرض؟ ويُسارعوا باتخاذ سياسات تُوقف إراقة الدماء وتَصون الأوطان التي تُهدَّمُ؟ هل نطمع أن يُذهب “كورونا” بتآمر السَّاسة والزعماء الذين زاغت أبصارُهم، وانكشف عجـزُهم أمام ڨيروس لا يُرىٰ بالعين المجردة؛ فتختفي مخيمات الإيواء، وقوارب اللجوء والهجرة، ويعيشُ الناسُ في أوطانهم في أمنٍ وسلام؟!

.. إنَّا نتضرَّعُ إلى الله في كل لحظة أن يرفعَ عنا ابتلاءاته؛ لكنَّا لا ندري لمن نتوجه في الدنيا؛ حتىٰ تأخذَ الأرضُ زُخرفَها بالعدل، وتتزيَّنَ بالمَحَـبَّة بين بني البشر؟!

القارئ الكريم: هل تُراني حالمًا، أو ربما واهمًا.. لو أَمَّـلـتُ أن تَخرجَ البشرية من تلك الجائحة التي نعيشها الآن، والتي لم تفرق بين شعب وآخر.. ونحن مؤمنين بوَحْـدَة المصير الإنساني؟!

وأَختمُ مقالي بآبياتٍ من الشعر؛ علَّها تمنحُـنا الأملَ في ذِهاب الكَـرْب وانكشافِ الغُمَّ.. فكَمْ شِـدَّةٍ عرَضتْ ثم انجلَتْ، ومَضَتْ بلُطفٍ من الله.

يقولُ الشاعر:

وكُلُّ ما يصدُر عن الله جميلٌ                  وإن كنا لا نرىٰ الجَمَالَ في المصيبة

ويقول الآخر:

سـتَمضي مع الأيامِِ كـلُّ مصيبةٍ        وتَحـدثُ أحــداثٌ تُنْسِـي المصائبا

وأخيرًا؛ آمل أن يمنحَـنا الشاعر “قيس بن الخطيم” طاقة نور بقوله:

يُرِيدُ المَـرءُ أَنْ يُعْـطَى مُنَـاهُ     وَيَأبٰــــــــىٰ اللهُ إِلا ما يَشــاءُ

وَكـلُّ شَــديـدةٍ  نَزَلَـتْ بِحـيٍّ     ســيأتِي بَعــد شِــدَّتِها رَخـاءُ

اقرأ أيضًا

دينا حسين تكتب .. الوعي المجتمعي وكيفية التعامل مع الأزمات

استقرار الدولار وزيادة كبيرة للذهب .. تعرف على الأسعار

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى