فاطمة ناعوت تكتب .. جميعُنا: «ذَوو احتياجات خاصة»
كنتُ فى زيارة لصديقتى الروسية الجميلة «مارينا». وكان ابنى وابنُها يلعبان «بلاى ستيشن» فى الغرفة المجاورة. وفجأة دخل ابنُها «ياسين» وتحدث إليها بالروسية، فوجدتها تبتسمُ بخجل وقد بدا على ملامحها الارتباك. همست الأمُّ للصغير بكلمات لم تقنعه فيما يبدو لأنه راح يجادلُها. سألتُها بقلق إن كان ابنى المتوحّد «عمر» قد تسبّب فى مشكلة ما؟!، فقالت: (لا، بالعكس!. «ياسين» أحبَّ شخصية «عمر»، ويريد أن يقدّمه لأصدقائه.
ولا يدرى كيف يصفه لهم دون استخدام كلمات عنصرية تمييزية مثل: «متوحّد» أو «ذو احتياجات خاصة» إلخ لأننا نحظرُ كلمات التمييز فى مجتمعنا وأسرتنا، فماذا عليه أن يقول ليشرح لهم طبيعة تكوين «عمر»؟)، فقلتُ: (فقط يقول لهم إن «عمر» «مختلف!»، He›s just Different).
ولأننا مازلنا فى «إبريل»، شهر «طيف التوحّد» Autism Spectrum، دعونى أعترف بسعادتى بالتفاعل الجميل الذى يواكبُ مقالاتى التى أنشرها بين الحين والحين حول «فرادة» المتوحدين، ومنهم ابنى المصاب بمتلازمة أسبرجر.
إيميلاتٌ ورسائلُ لا حصر لها تصلنى من أمهات وآباء لأطفال من «ذوى القدرات الخاصة»، ساعدتهم مقالاتى، حسبما يقولون، فى القبض على مكامن الفرادة والجمال فى أولادهم، وأصبحوا يرفضون أن تقترن بأبنائهم عبارة: «ذوو احتياجات خاصة»!، ومعهم حق لأن «جميع» البشر دون استثناء: «ذوو احتياجات خاصة». ودعونى أطرح عليكم بعض الأمثلة، وسأبدأ من نفسى.
أنا «عسراءُ»، أى أكتبُ باليد اليسرى، وجميع شؤون حياتى. وخصصتِ «الأممُ المتحدة UN» ١٣ أغسطس من كل عام يومًا عالميًّا لمستعملى اليد اليسرى: Left-Handed DAY. ألستُ أُعتبر، وجميعُ العُسر فى العالم، من «ذوى الاحتياجات الخاصة»؟ بالتأكيد، فأنا مثلًا لا أستطيع استعمال «المقصّ» العادى بسهولة لأنه صُمِّم لليد اليمنى. وعشرات الأدوات فى المطبخ صُمِّمت للذين يستعملون اليمنى فى حياتهم اليومية. حتى «البيانو» صُمِّم لأبناء اليد اليمنى؛ حيث النغمات الأكثر استخدامًا فى الناحية اليمنى من البيانو، والجهة اليسرى لنغمات الإيقاع الغليظة.
لوحة الكمبيوتر والماوس صُمّما لأبناء اليد اليمنى. فتيس السيارة ناحية يدك اليمنى، وكذلك دواسة البنزين. وفى المدرسة وأنا طفلة لم يكن بوسعى الجلوس إلا بحيث تكون ذراعى اليسرى ناحية الجهة الخارجية من الديسك حتى لا «تخبط» يسراى مع الذراع اليمنى لمَن يجلس إلى جوارى. وزُمبرك ساعات الحائط الكبيرة وجميع لعب الأطفال، (الزمبلك).
صُمِّم لليد اليمنى. جرّب بنفسك أن تملأه بيدك اليسرى، لن تستطيع لأنها عكس الدوران المريح لليد اليسرى. الأعسرُ مثلى، له احتياجات خاصة، فلماذا لا نطلقُ مصطلح: «ذوى احتياجات خاصة» على «العُسر» مثلًا، بينما هم يُعانون فى حياتهم اليومية الشىء الكثير؟!.
الحقيقة أن «جميع البشر» دون استثناء هم من «ذوى الاحتياجات الخاصة»، فالشخصُ المدخّن يُعتبر ذا احتياجات خاصة، الشخص غير القادر على النوم فى وسائل التنقل، مثل الطائرة والقطار، هو إنسانٌ ذو احتياجات خاصة لأنه حين يسافر بالطائرة فى رحلة تستغرق أكثر من عشرين ساعة، سوف تمرُّ عليه كالدهر إن لم يغفل بين الحين والحين. الشخصُ بالغ الطول يُعتبر ذا احتياجات خاصة لأنه لن يجد سريرًا يمدّ فيه ساقيه، العصبىُّ والبخيلُ والمسرف والأنانى يُعتبرون من ذوى الاحتياجات الخاصة.
المتطرفون والعنصريون لا شك يُعتبرون من ذوى الاحتياجات الخاصة لأنهم ينزعجون من وجود غيرهم فى الحياة ويريدون أن يُفصّلوا العالمَ على مقاسهم الضيق، وكذلك المتسامحُ الجميلُ ذو احتياجات خاصة لأنه ينزعج من التطرف والظلم ويحلم بعالم مثالى لا وجود له؛ فيتكدّر طوالَ الوقت من مرأى الظلم والطبقية والطائفية.
الذى يعانى من فوبيا الظلام Noctiphobia هو إنسانٌ ذو احتياجات خاصة. ومثله مَن يخشى الأماكن العالية Acrophobia، أو الأماكن المغلقة والمصاعد Claustrophobia، أو الأماكن الواسعة Agoraphobia، أو الرعد والبرق Brontophobia، أو الوحدة Autophobia، أو الفشل Atychiphobia، أو مرور الوقت Chronophobia، أو اللانهائية Apeirophobia، أو المرايا Catoptrophobia.. جميع مَن سبقوا هم من «ذوى الاحتياجات الخاصة». وهو ما نسميه «الرُّهاب» Phobia. ولدينا أكثر من ٦٠٠ نوع من الرهابات منها أشياء مضحكة للغاية. مثل الخوف من الشيكولاتة Xocolatophobia، وغيرها من عجائب البشر الذين يخافون من أشياء غير مخيفة لأسباب غير مفهومة.
أنا مثلًا لدىَّ رُهاب «المسحراتى». لأننى فى طفولتى كنت أسمعُ طرقه على «الطبلة» ولم أكن أعرفُ ما هى؛ فذهبتُ إلى أبى وسألتُه: (يعنى إيه «طابية» يا بابا؟) تعثرتُ فى نطق حرف اللام؛ فقال أبى: (الطابية حِصنٌ ضخم يقف عليه الجنودُ القناّصة ليقتنصوا الأعداء). فكنتُ أتصوّر المسحراتى عملاقًا يحملُ طابية ضخمة بها عشرات الجنود!، ومازال قرعُ طبلة المسرحاتى يُرهبنى!.
وشكرًا لابنى الجميل «عمر»، الذى رسم لوحة جميلة للمسحراتى يحمل طبلته وبجواره طفلٌ صغير يحملُ فانوس رمضان، وكتب عليها: (إلى ماما حبيبتى. المسحراتى جميل. «عمر»).
نشر المقال بجريدة المصري اليوم العدد 6890
لمتابعة أخبار موقع نساعد عبر google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا
اقرأ أيضًا
قواعد تطبيق الحد الأدنى للأجور 2023 للعاملين بالدولة رسميًا
البنك المركزي: الخميس 4 مايو 2023 إجازة رسمية في البنوك المصرية