تقاريرسلايدر

كورونا تقدم خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة

الحد من انتشار الفيروس يتطلب تغيييرات فى بيئة وأسلوب العمل تفيد المعاقين وتقلل من معاناتهم

 

كتب- سليم سامى:

“العمل من المنزل” كان مطلباً مهما بالنسبة لبعض ذوى الاحتياجات الخاصة لأسباب صحية ونفسية خصوصا بين المصابين بأمراض عصبية أوضمور تدريجى للعضلات أو إعاقات حركية إذ يواجهون صعوبات فى الانتقال من وإلى مقار عملهم وبجبر بعضهم على الاستعانة بجهاز تقويم وهو أمر لا يجعلهم يشعرون بالراحة لذا اتضح مع تفشى وباء كورونا أن سياسة “العمل من المنزل” التى لجأت شركات كثيرة لتطبيقها حل أفضل يزيد من إنتاجية الموظفين ذوى الاحتياجات الخاصة خصوصا مع توافر المساعدة الأسرية التى كانوا يفتقدون لها فى مقار العمل.

بعض الشركات استغلت هذه السياسة لاستبعاد موظفيها من ذوى الإعاقة بزعم عدم قدرتها على إتاحة فرصة العمل من المنزل لبعضهم رغم أنها وافقت على عمل الأسوياء من المنزل وادعت إدارات هذه الشركات أن نظام تكنولوجيا المعلومات الذى تستخدمه لا يتحمل سوى أداء عدد محدود لمهامهم من المنزل.

وغيرت معظم الشركات حول العالم نظام العمل لديها واستعانت بنظم أكثر قوة ليعمل أكبر عدد من موظفيها فى منازلهم لحمايتهم من الإصابة بالفيروس مع تفشى الجائحة.

يقول ميك سكارليت، خبير في مجال تسهيل ظروف الحياة أمام ذوي الإعاقة وإدماجهم في المجتمع: “نأمل أن يظهر كورونا للناس، أنهمقد يصبحون سجناء بيوتهم دون ذنب وأنهم رغم ذلك سيصبحون قادورون على الإسهام في العمل والإنتاج”، وهو ما ينطبق تماما على ذوى الإعاقة الذين لا ذنب لهم فيما أصابهم.

ويتساءل سكارليت: “هل نستطيعونحن منهمكون في العمل على وضع خطة لإنهاء إجراءات الإغلاق الحالية بالتخطيط بشكل مماثل، لوضع حد للعوائق التي تمنع المجتمع ملائما لحياة ذوي الاحتياجات الخاصة؟”.

اللافت أن خضوع ملايين الأشخاص لإجراءات الإغلاق الحالية، جعل كثير من غير أصحاب الاحتياجات الخاصة، يشعرون للمرة الأولى بالمعاناة من العوائق الخارجية التى تمنعهم من المشاركة بشكل طبيعي في شؤون الحياة اليومية.

ولكن رغم أن الحكومات في العالم، تمارس سياسات وإجراءات تستهدف تسهيل استفادة مواطنيها من الأماكن العامة ومقار العمل إلا أت ذوى الإعاقة يواجهون معوقات أكبر لا تزال موجودة، رغم أنهم 15% من سكان العالم أى 1.3 مليار إنسان.

توجد بعض التغييرات التى تهدف ة لتسهيل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة لا ترتبط بطبيعة الحال بإجراءات الحد من تفشي كورونا مثل جعل أزرار المصاعد في متناول يد المعاقين وتوفير شروح صوتية لهم في المتاحف.

ويشير سكارليت إلى أن كثير من الإجراءات المطلوبة للوقاية من الوباء، هي ذاتها مطالب أصحاب الاحتياجات الخاصة منذ سنوات طويلة، مثل تطبيق نظام “العمل من المنزل”، والتى تساعد على استيعابهم وتسهيل احتياجاتهم الصحية والبدنية، إتاحة الفرصة لهم للتقدم فى العمل.

بعض التغيرات الممكنة لصالح ذوى الاحتياجات الخاصة والمطلوبة فى الوقت نفسه للحد من انتشار كورونا تعديل تصميم وتخطيط المباني والأماكن العامة، بجعل بعض الأبواب تُفتح تلقائيا، ما يقلص بالتبعية خطر تفشي العدوى، كما أن جعل المسافات بين الممرات في المتاجر أوسع لتسهيل حركة مستخدمى الكراسي المتحركة سيمكِن الجميع سواء كانوا من أصحاب الاحتياجات الخاصة أم لا، من تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي بشكل أفضل، الأمر نفسه ينطبق على الأرصفة، التي كانت ستتيح الفرصة للمارة للسير جنبا إلى جنب دون انتهاك التباعد.

ويقول سكارليت إنه من الغريب أن كثير من الأمور كان أصحاب الاحتياجات الخاصة يطلوبنها من المهندسين المعماريين ومخططي المدن والأحياء، أصبحت بشكل مفاجئ، هي نفسها المشكلات المفروضة على الجميع مع مواصلة إجراءات الإغلاق لوقت أطول خصوصاً أن المدن مصممة وفق احتياجات الأفراد الطبيعيين فقط.

ورغم الجهود التي بُذلت خلال السنوات القليلة الماضية، لجعل المجتمع ملائما بشكل أكبر لطبيعة احتياجات ذوي الإعاقة، فلا يزال الطريق طويلا.

وكشفت دراسة استقصائية أُجريت على مستوى العالم، أنه رغم أن 90% من الشركات تزعم محافظتها على التنوع في موظفيها إلا أن 4% منها فقط تطبق هذه الفكرة بشأن تشغيل ذوي الإعاقة.

وفي المملكة المتحدة، أفادت دراسة عام 2018 أن 75 % من ذوي الإعاقة، اضطروا لترك شركة أو محل كانوا يعملون فيه، نظرا لعدم وجود تفهم صاحب العمل والرؤساء لاحتياجاتهم، كما أظهرت دراسة أخرى شملت 27 ألفا من منافذ البيع بالتجزئة، أن 20 % منها لست مصممة لتسهيل دخول مستخدمى الكراسى المتحركة.

وفي العام الماضي أجازت محكمة استئناف فيدرالية في مدينة سانت لويس الأمريكية قرارا سلطات المدينة، برفض طلب قدمه موظف من ذوي الاحتياجات الخاصة ليعمل من المنزل.

وبحسب دراسة عن هذا النوع من القضايا كسب أصحاب العمل 70 % من الدعاوى خلال العامين الماضيين.

وجود هذه المشاكل أمام ذوي الإعاقة، له عواقب وخيمة. إذ لا يستطيع 90 % من الأطفال المعاقين في الدول النامية، الالتحاق بالمدارس. كما أن فرص الحصول على عمل تقل بنسبة 50 % مقانة بالشخص العادى ما يرفع نسب الفقر بين ذوى الاحتياجات الخاصة.

المشكلة أن التكاليف المترتبة على ذلك تقع على كاهل الجميع، لا ذوي الإعاقة وحدهم، إذ كشفت دراسة جرت في 10 من الدول منخفضة ومتوسط الدخل في آسيا وأفريقيا، أن استبعاد هذه الفئة من العمل، يكلف دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نحو سبعة % من ناتجها المحلي الإجمالي.

وحاليا تتكيف أماكن العمل بسرعة للحد من تفشي كورونا، بشكل كشف أن المجتمع يستطيع معالجة عدم المساواة التي يواجهها ذوي الإعاقة، لكن المشكلة أن ذلك لا يؤدي تلقائيا إلى تحويل عالم ما بعد كورونا إلى مكان أفضل لذوي الإعاقة.

ويشكل الوقت الحالي فترة مثالية لأن تنفذ إدارات المؤسسات والشركات، تغييرات تجعلها أكثر شمولا لأصحاب الاحتياجات الخاصة ويوضح سكارليت رؤيته في هذا الشأن بقوله: “قبل تفشي الوباء، كان من بين المبررات الرئيسية التي ترددها الشركات أنه لا تستطيع إلاق مقارها لتنفيذ التعديلات المطلوبة وحاليا هي جميعها مغلقة لبعض الوقت، ولذا يجب على الحكومات منحها تمويلا لتنفيذ مطلب الشمول خصوصاً أنها لا تستطيع تحمل النفقات بسبب نفس الأزمة التى أتاحت الوقت”.

ويتابع سكارليت: ” أخشى أن تخفيف كثير من القواعد بعد انتهاء الوباء، أن تقول الشركات إنها كانت عاجزة عن تحمل تكاليف إجراء التعديلات التى تهدف لجعل المقار أكثر راحة لعمل ذوي الاحتياجات الخاصة وبعد كورونا أصبحت أقل قدرة بكثير من الماضى بعد تعرضها لخسارة أموالا طائلة خلال فترة الإغلاق”.

وحس كارولين كيسي، مُؤَسِسة مجموعة “ذا فاليابل 500″، وهي حركة عالمية تستهدف وضع توفير الظروف الملائمة لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة على جدول أعمال إدارات الشركات والمؤسسات، فإنه سيكون للمسؤولين الكبار في مثل هذه الأماكن دورا رئيسي فى هذا الشأن.

وتسعى الحركة إلى إقناع 500 من الرؤساء التنفيذيين للشركات المختلفة وشركاتهم كذلك بالالتزام بوضع هذا الملف على جدول أعمالهم، وبلغ عدد الشركات، التي قبلت الانضمام إلى هذه المبادرة حتى الآن 270 شركة، من بينها مؤسسات عملاقة متعددة الجنسيات، مثل جوجل وميكروسوفت و”إتش إس بي سي” وكوكاكولا.

وتقول كيسي: “ينصت القادة إلى القادة، لذا أعتقد بحق أن لإقناع 500 من المديرين التنفيذيين، على وضع مسألة الإعاقة على جدول أعمالهم، سيشكل نقطة تحول على صعيد إحداث تغيير، لأن حل أزمة عدم المساواة التي يعاني منها أصحاب الاحتياجات الخاصة، تحتاج إلى تغيير النظام بأكمله، وليس أقل من ذلك”.

وتقول ميكايلا باتريك، الباحثة في شؤون تصميم النظم التي تكفل إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، إن من بين الخطوات المطلوبة لتحقيق أي تغيير فى هذا الصدد الاستماع لآراء مزيد من الأشخاص المعنيين بهذا الملف.

وكشفت المؤسسة التي تعمل باتريك لحسابها، أن هناك مليار شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في مختلف أنحاء العالم، يفتقرون للتقنيات والأدوات والأجهزة اللازمة لهم، مثل الكراسي المتحركة وعصي المشي، والأجهزة المخصصة لمساعدة من يعانون من مشكلات في السمع، وغيرها.

وتقول باتريك: “رغم أن هناك تقدما كبيرا على مستوى العالم، بشأن تهيئة الظروف لذوي الاحتياجات الخاصة للاندماج في المجتمع، فإن هناك كثير يجب تعلمه في هذا الشأن، ومن بين الطرق التي يمكن اتباعها لضمان مواصلة المجتمع جهوده لتحقيق هذا الهدف، إتاحة الفرصة لذوي الاحتياجات الخاصة لكي يكون لهم دور، في تصميم وتطوير السياسات والتقنيات والبنى التحتية”.

ورغم أن 15 % من سكان العالم من أصحاب الاحتياجات الخاصة، فمن النادر أن تجد لهم صوتا في المستويات الإدارية العليا، أو على صعيد صياغة السياسات، والدليل أن 7% فقط من الرؤساء التنفيذيين للشركات على مستوى العالم، من ذوى الإعاقة.

وأشار 56 % من المديرين التنفيذيين  الذين تم استطلاع آراؤهم في إحدى الدراسات إلى أن مسألة الإعاقة لم يتم طرحها سوى نادرا أو ربما لم تُطرح مطلقا على جدول أعمالهم.

لكن في ظل الوباء الذي يجتاح العالم في الوقت الحاضر، هناك بصيص أمل، في إمكانية تفكير القادة والحكومات بشكل أكبر فى إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنحهم مساحة أوسع للمشاركة في اتخاذ القرار.

وكشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش مؤخرا عن الحاجة لبلورة خطة للتعامل مع وباء كورونا والتعافي منه تشمل ذوي الاحتياجات الخاصة كذلك، وحث حكومات العالم على وضع ذوي الاحتياجات الخاصة في صميم جهودها الرامية لمواجهة كورونا وعلى التشاور معهم وإشراكهم في هذه الجهود.

وتقول كيسي إن من بين التحديات القائمة في هذا المجال، تصوير ذوي الاحتياجات الخاصة باستمرار على أنهم من لبفئات الضعيفة أو أنهم غير ذوي أهمية تُذكر للمجتمع، رغم أن أصحاب الاحتياجات الخاصة ليسوا ضعفاء ولكن  مفيدون وذوو قيمة، واعتبراهم ضعفاء وجهة نظر معيبة لأن لديهم قدرات وإمكانيات، وموارد وعقول وإسهامات قيمة بوسعهم تقديمها للمجتمع.

ويقول أنصار حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة إن الوقت الحالي يشكل اللحظة الملائمة لإزالة الحواجز والعوائق التي تحول دون إدماجهم في المجتمع والإنصات لاحتياجاتهم، وربما تكون نتيجة تحقيق أهداف من هذا القبيل، بلورة منظومات، يمكن أن تكون أكثر كفاءة في العمل في أوقات الأزمات، وهو ما سيعود بالنفع على الجميع، سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أم لا.

 

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى