سلايدرمقالات الرأى

محمد السيد صالح يكتب .. القمح والحرب

 

قصة مياه النيل وتطور بناء سد النهضة، الذى بدأت إثيوبيا فى توليد الكهرباء منه، هى القضية الاستراتيجية الأهم لمصر. ما زالت مصر بأجهزتها السيادية والدبلوماسية والعسكرية تبحث حتى الآن عن آليات التعامل المناسب لهذه التطورات المهمة والمصيرية. أعتبر تأمين القمح للمواطنين حاليًّا، هو القضية التالية فى أهميتها. روسيا، على ما يبدو، قد حسمت أمرها وبدأت الحرب داخل أوكرانيا.

والوضع آخذ فى الانهيار السريع. بعض الخبراء والإعلاميين كتبوا أو تحدثوا، بشىء من العمومية، عن تأثير هذه الحرب على إمدادات القمح المستورد لمصر. بحثت عن حجم القمح الذى نستورده، كحكومة، متمثلة فى الهيئة العامة للسلع التموينية، أو كقطاع خاص، من الخارج. واستندت فى ذلك إلى تقرير مكتب الشؤون الزراعية الأمريكى. ووجدت أن مصر استوردت 12.4 مليون طن العام الماضى. وكان حجم الاستيراد من روسيا 8.1 طن، أما أوكرانيا فحجم استيرادنا منها كان 2.45 مليون طن.

هى أرقام ضخمة جدًّا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المسؤولين يتحدثون أحيانًا عن حجم الاستيراد الحكومى فقط، ولا يشيرون إلى الاستيراد الذى يقوم به القطاع الخاص. أما إنتاجنا المحلى، الذى ينبغى تشجيعه فى هذه الظروف الصعبة، فمتراجع جدًّا، ولا يغطى إلا ثلث استهلاكنا تقريبًا.

الحرب قد تعطل إمدادات القمح إلينا من الدولتين بشكل تام أو جزئى. التوتر قد يمتد إلى حركة الملاحة فى البحار والمضايق القريبة. الإنتاج المحلى كان العام الماضى أقل بقليل من 9 ملايين طن، وهناك من يشكك فى حجم هذه الأرقام، والمهم أننا نفقد كثيرًا من الأقماح المحلية، ولا توجه لمسارها السليم.

ينبغى الإشارة هنا إلى عدم وجود حوافز لإنتاج القمح بأى صورة من الصور. كثير من الدول الغنية والفقيرة على السواء تتعامل بشكل استراتيجى مع سلعها الرئيسية. تفكر فى اقتصادات مزارعيها، ودعمهم على الدوام.

ما بالكم بأحوال مزارع القمح فى دولة هى على رأس المستوردين فى العالم كله، خلال العقدين الأخيرين؟!. العكس هو الذى يتم عندنا. ترفع الحكومة أثمان الوقود ومستلزمات الإنتاج، وأسعار السماد، بشكل جنونى، حتى تضمن أرباحًا مُبالغًا فيها للمصانع التى تعمل فى هذا القطاع، ولا تهتم بالفلاح.

لو كنت صاحب قرار فى هذه الحكومة، لاتخذت مجموعة من القرارات العاجلة لدعم الفلاح وحثه على زراعة القمح. مساحة الأراضى الزراعية فى مصر تتراوح بين 9 و10 ملايين فدان. المزروع بالقمح فيها لا يزيد على الثلث من هذه المساحة.

لو كنت صاحب قرار، لفرضت على أصحاب الأراضى المستصلحة حديثًا، أو التى تمتلكها أو تديرها أجهزة الدولة، أن يتم تخصيص الجزء الأعظم منها لزراعة القمح.

ينبغى أيضًا اللجوء للعلماء والخبراء، بأن ندعو لإجراء تجارب حديثة فى مراكز البحوث الزراعية وكليات الزراعة، لاستنباط أنواع جديدة من القمح، وزراعتها على الشريط الساحلى، على مياه الأمطار. لقد حكى لى مرة أحد الطيارين القدامى، وكان يمتلك شركة طيران خاصة، ولديه طائرات تعمل فى الخدمات الزراعية، كيف أنه شارك فى ثمانينيات القرن الماضى فى تجربة بحثية ناجحة لزراعة القمح، فى منطقة ما بالشريط الساحلى الشمالى، على مياه الأمطار، وكيف أن هذا الصنف، أو السلالة، كانت تتحمل نسبة عالية من ملوحة التربة، وكذلك الرى لمرة أو مرتين إضافيتين بمياه البحر.

كانت طائراته تشارك فى التجربة. وفجأة توقف كل شىء.. بأوامر غامضة.

لقد غاب الفكر الاستراتيجى عن قراراتنا بشأن القمح، وفى قضايا أخرى. ينبغى الآن أن نعدل المسار.

وفى هذا الإطار، أنقل تلخيصًا للتجربة السعودية مع القمح، وهى دولة صحراوية أكثر منا بكثير، وعدد سكانها يقترب من ثلث عدد الشعب المصرى.

السعودية عادت لتشجيع زراعة القمح محليًّا، ودعم أصحاب الملكيات المتوسطة والصغيرة على ذلك. الشرط الذى وضعته، هو استهلاك أقل للمياه، والحصول على الموافقة من إدارات المياه والبيئة. وأهم شىء الاعتماد قدر الإمكان على مياه الأمطار.

وكانت السعودية قد بدأت منذ عام 2020 فى اعتماد سياسة الاستثمار فى زراعة القمح بالخارج.

لا أقول إننا لا بد أن نفعل مثلهم. ظروفنا مختلفة، لكن لا بد أن نفكر فيما يتعلق بإنتاج القمح واستيراده، من منظور استراتيجى.

نشر ضمن مقال حكايات السبت: القمح والحرب بجريدة المصري اليوم 

 

لمتابعة أخبار موقع نساعد عبر  google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا  وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا  

اقرأ أيضًا 

كلمة الرئيس السيسي اليوم 28 / 2 / 2022 «أنا زيكم ومعاكم ومنكم ولو مش قادر والله همشي»

رئيس الوزراء: نحتاج 40 ألف فصل سنويا بتكلفة 20 مليار جنيه “هنعمل إيه في الجديد كمان”

 

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى