إسلام عزام يكتب .. خطة الصحة والبرلمان المكارثية لأزمة كورونا
القصة بدأت منذ زمن بعيد، بين عام 1947 وعام 1957، تصاعدت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والمعسكر الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفيتي، وتبناها السيناتور الجمهوري جوزيف مكارثي، رئيس إحدى اللجان الفرعية بمجلس الشيوخ الأمريكي، للنيل من المعارضين.
بدأ السيناتور الأمريكي خطة واضحة، نسبت إليه فيما بعد، تهدف لاغتيال المُعارضين معنويًا عبر اتهامات بالجملة تطعن في شرفهم ووطنيتهم، ثم التنكيل بهم وإقصائهم.
الأمر نفسه حدث أثناء إدارة أزمة الأطباء الأخيرة، توفى طبيب في مستشفى المنيرة بقلب العاصمة؛ بعد نقله من إصابته من المستشفى التي يعمل بها؛ ليجد مكانًا في الرعاية المركزة. غضب الأطباء وهددوا بالاستقالة مطالبين بتوفير بدل الوقاية اللازمة لحماية الأطباء والتمريض.
طالبت النقابة ــ ولازالت ــ على لسان أمينها العام الدكتور إيهاب طاهر، بتمكين الأطباء من إجراء المسحات حال الاشتباه في الإصابة بالكورونا. حتى لا يتحول الطبيب إلى مصدرًا للعدوى، وكررت النقابة مناشدتها لرئاسة الجمهورية بمعاملة المتوفين من القطاع الطبي أثناء مواجهة كورونا بقانون شهداء الجيش والشرطة، لكن هذه المناقشات ووفاة أربع أطباء أول أيام العيد لم تكن كافية ليساند البرلمان نقابة الأطباء.
اقتحم نائب مستشفى شربين العام، وهاجم العاملين متهكمًا على نقص إمكانيات المستشفى، يحاسب هو عن قيامه بدوره ومساءلة وزارة الصحة عن توفير المستلزمات الناقصة، إذا استطاع تحديدها بخبرته الطبية!
لكنه اكتفى “بشو” التصوير، وبث الفيديو عبر صفحته الشخصية وفقط. لكن وزارة الصحة أضافت مستشفى شربين المركزي بإمكانياتها الحالية، ضمن الـ 320 مستشفى لمواجهة الفيروس التاجي.
برلماني آخر، رجل أعمال، ورئيس مجلس إدارة نادي سكندري، يفعل أي وكل شيء للظهور الإعلامي. دوره في مجلس النواب بلجنة الصناعات، وعدم اقترابه من إدارة الأزمة، لم يمنعه من الإدلاء بتصريحات تهاجم الأطباء. وتتهم المهددين بالاستقالة بنشر مخطط إخواني لضرب استقرار مصر!
البرلماني فاته أن أطباء إسبانيا تظاهروا لنقص المعدات الطبية، ورافعوا لافتات كتبوا عليها: “لسنا أبطالًا ولا انتحارين، نحن بحاجة إلى معدات حماية حقيقية”
لم يستخدم أحدهم في إسبانيا مكارثية أعضاء مجلس النواب، وتعاملت السلطات بهدوء مع غضب وضغوط العمل لدى الأطباء ووعدوا بتوفير مطالبهم. وانتهى الأمر دون تخوين واتهامات.
لم يفكر النواب في مساندة الأطباء من قبل أثناء أزمة بدل العدوى، هيئة قضايا الدولة طعنت على حكم القضاء الإداري بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر بإلزام الحكومة بزيادة بدل عدوى الأطباء، والقضاء مجددًا بعدم قبول الدعوى التي أقيمت لزيادته أمام محكمة القضاء الإداري. المحكمة الإدارية العليا قالت في حيثيات حكمها إنه لا يوجد نص مُلزم للحكومة بزيادة البدل. وقالت حيثيات الحكم “القيمة الحالية لبدل العدوى المقرر للأطباء وضع مجحف، ويد القضاء وإن كانت مغلولة عن تغيير هذا الوضع احترامًا لمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه بالقانون والدستور، باعتبار أن ذلك التعديل من صميم عمل السلطة التشريعية، إلا أن الهيئة تقر بيقين لا يشوبه شك، بعدم المعقولية الجسيمة والظاهرة لقيمة بدل العدوى المقرر للأطباء المستحقين له.”
وأكدت الحيثيات أن قيمة بدل العدوى صارت هي والعدم سواء؛ نظرًا لتقاعس وزارة الصحة منذ مدة تجاوزت 20 عامًا عن مراجعتها بصفة دورية للتناسب مع المخاطر التي قررت لمجابهتها، الأمر الذي يستوجب تدخل مجلس النواب لسن تشريع يحد من إطلاق يد الحكومة في منح البدلات أو منعها.
لم يشارك برلماني حيثيات الحكم؛ ليقوم بدوره؛ ويقدم البرلمان تشريع يعطي الأطباء حقهم المسلوب، ويُنهي هذا الوضع المجحف بنص حيثيات المحكمة.
ثمة أسئلة تطرح نفسها في ظرف كهذا، لماذا لم يناقش أو يهتم النواب بأزمات الأطباء قبل جائحة كورونا؟ لماذا لم يقوم النائب بزيارة مستشفى شربين من قبل، وتقديم استجواب لوزيرة الصحة؟، وكيف لا يتم تدريب النواب على حقهم في الرقابة ودورهم في التشريع تحت قبة المجلس، بدلًا من مهاجمة الأطباء في أماكن عملهم، وترويع المرضى بالمشاجرات في المستشفى؟، لماذا لم يفكر رئيس لجنة الصناعة في توفر الكحول بأسعار مناسبة، والكمامات قبل موافقة المجلس على قانون يعاقب بفرض غرامة على عدم ارتدائها. بادر أعضاء المجلس بالهجوم حينما شعروا بالخطر على أنفسهم وفقط.
النواب لم يناقشوا وزيرة الصحة، في خطتها لمنع تفشي الفيروس، ولم يعترض أحدهم على خطة العزل المنزلي، لمرض قاتل سريع الانتشار. لم يقدم نائب طلب إحاطة عن كيفية إجراء وتطبيق شروط العزل المنزلي في المناطق الشعبية. هناك أسر كاملة تعيش في منزل أو حجرة واحدة. تطبيق العزل ومنع العدوى في ظروف كتلك أمر مستحيل.
النواب لم يلتفتوا للمنسيين من خطة الحكومة للتعايش من كورونا. اشتكت سيدة ثلاثينة عبر هاتف موقع نساعد، أنها تستأجر وحدة سكنية وتعمل بها كحضانة، وزوجها يستأجر محلًا يديره كافيه. وتدفع إيجارات المحل والحضانة للشهر الثالث دون أن يكون هناك أي عائد أو دخل للأسرة. وتساءلت بصوت باكي في نهاية المكالمة عن الحل، والمدى الزمني الذي يمكن تحمل النفقات دون وجود دخل.
الأمر نفسه ينطبق على صالات الألعاب الرياضية “الجيمات”، شباب تركوا وظائف الدولة، واعتمدوا على أنفسهم، وجهزوا أماكن ووفروا فرص عمل لمدربين، وعمال نظافة. يدفعون إيجارات هذه الأماكن حاليًا. دون وجود عائد. والجميع يسأل متى وكيف تنتهي الأزمة؟
الأزمة صعبة على الجميع، وخطة التعايش لابد أن تراقب آليات تنفيذها، وأنّ توزع تكلفة خسائرها على الجميع. لا يدفع ثمنها أصحاب المقاهي والكافيهات “والجيمات” والحضانات فقط. وجانب من الحل يكمن في التوسع في إجراء التحاليل. وإنهاء أسطورة العزل المنزلي، في إيطاليا مثلًا تعاملت السلطات الصحية بتحليل الدم وصورة الأشعة. لإنهاء أزمة التحاليل. وفي إسبانيا جهزت الفنادق للعمل كمستشفيات عزل. لم تبلغ دولة واحدة مصابًا بالقيام بعزل منزلي. فلابد إن ارادت الحكومة إنهاء هذا الوضع سريعًا تجهيز مستشفيات كل مؤسسات الدولة لاستقبال المصابين؛ للسيطرة على تفشي الوباء. وأن يقوم نواب البرلمان بدورهم في مراقبة تطبيق هذه الإجراءات بدلًا من الهجوم على الأطباء.
اقرأ أيضًأ
الأوقاف: لم يتم تحديد موعد لفتح المساجد والأمر متروك لمجلس الوزراء
الصحة: تحليل الـ PCR بعد مرور 48 ساعة من الشعور بأعراض كورونا نتيجته أفضل