عالم ألماني كفيف صدقت توقعاته عن الثقب الأسود: “الحقائق الفلكية يمكن سماعها”
يرتدي الألماني جيرهارد يافوريك قميصاً مطبوعا عليه عبارة “الذكرى الخمسين لرحلة أبوللو 11″، للاحتفال بمناسبة مرور نصف قرن على الهبوط التاريخي لأول إنسان على سطح القمر عام 1969، وهو عام ميلاده أيضا.
يشغل يافوريك وظيفة عالم كمبيوتر بمعهد كارلسروه للتكنولوجيا بألمانيا، وهو مولع بإجراء أبحاث حول الفضاء الخارجي. وتشير الجمعية الفلكية الألمانية إلى أنه العضو الوحيد الكفيف فيها.
ويتردد على مسامع يافوريك دوماً سؤال مستمر: “كيف يمكنك استكشاف الكون من دون رؤية؟”، ليجيب قائلا: “لا يمكن من الناحية النظرية رؤية أكثر من 4 أو 5% من الكون، والباقي عبارة عن مادة سوداء لا يمكن على أي حال لأحد أن يراها، سواء للأشخاص العاديين أو لذوي الاحتياجات”.
يلقي يافوريك محاضرات عن هذا الموضوع، كما ألف كتابا بعنوان “أعمى أمام النجوم: طريقي كفلكي”، وهو يطور أيضا مواد مبتكرة مثل نماذج بطريقة الطابعة ثلاثية الأبعاد، وخرائط للنجوم يمكن التعرف على محتوياتها عن طريق اللمس التي تسهل على فاقدي البصر “رؤية النجوم”.
وتقول عالمة الفلك سوزانه هوته مايستر، رئيسة القبة السماوية الصناعية “البلانتاريوم” بمدينة بوخوم الألمانية: “يافوريك قد لا يكون درس علم الفلك، غير أن ما يفعله في مجال التعليم أمر غير عادي، وأنا أضعه على قدم المساواة مع الخبراء الأعضاء في الجمعية الفلكية”.
ولا يوجد حتى الآن فلكي مهني محترف كفيف في ألمانيا، غير أن يافوريك التقى مؤخرا أمريكية ينطبق عليها هذا الوصف وهي واندا دياز ميرسيد، التي فقدت بصرها وهي في العشرينيات من عمرها، وأصبحت رائدة في “الصوتنة” التي تعني استخدام الأصوات في نقل المعلومات.
وشعر يافوريك بالولع بالفلك منذ طفولته، في البداية من فيلمي “ستار تريك” و”حرب الكواكب”، ثم في وقت لاحق من المواد العلمية والدراسة المكثفة للكتابات المتخصصة في هذا المجال.
يقول: “اكتشفت في وقت ما أن علم الفلك شامل وهو يعني بذلك أن الأشخاص الذين لديهم إعاقات بصرية يمكنهم أيضا أن يكوّنوا خبرات وأن يحصلوا على معلومات حوله”
ويوضح أن الحقائق الفلكية يمكن سماعها، ويقول إن أي نوعية من البيانات العلمية مثل مدارات الكواكب يمكن نقلها عن طريق الصوت، فكل مدار له صوت مختلف. ويشرح أن مدار عطارد بيضاوي الشكل للغاية ويمكن التعرف عليه بصوت صافرة حاد، بينما يمكن التعرف على كوكب المشترى بصوت منخفض للغاية.
ويضيف يافوريك أنه حتى لو لم يكن هناك صوت فعلي بسبب الفراغ في الفضاء، “فهناك كثير من البرامج اللاسلكية في الفضاء”، ويمكنك سماع الانفجارات الشمسية أو صوت نجم مشع بالنبضات من الأرض بفضل الموجات المغناطيسية القوية لديها، ويتابع أنه “عندما يتداخل ثقبان أسودان يصبح الصوت مثل اهتزاز في الزمن الفضائي، ومن الصعب شرح ذلك”.
ويؤكد عالم الفيزياء ماركوس بويسل من معهد هايلدبرج للفلك أنه لا يمكن أن يكون فقد البصر عقبة أمام دراسة الفلك، فالعلوم الفلكية تنفصل إلى حد كبير عن مراقبة النجوم بالعين المجردة.
ولا يمكن رؤية المجرات والنجوم البعيدة بالعين المجردة على أي حال، ويتم تحويل البيانات الخاصة حولها إلى صور يراها المبصرون وإلى صوت ليسمعها فاقدو البصر، وفي علوم معينة مثل الفلك يكون جعل الأشياء مسموعة فكرة جيدة، وفقا لما يقوله بويسل.
ويعلم يافوريك ما هو ملمس الكواكب، إذ يحتوي مكتبه على طابعات ثلاثية الأبعاد لمختلف الأجرام السماوية التي يعرضها أثناء محاضراته للطلاب، ويقول إنه يمكنك أن تشعر بفوهات البراكين والوديان والجبال على كواكب المريخ وعطارد والمشترى وغيرها باللمس.
يذكر أنه حتى قبل الكشف عن الصورة الأولى المبهرة لثقب أسود في أبريل الماضي، قال يافوريك وقتها: “أيها الناس، هذه الصورة ستبدو مثل كعكة مستديرة”، وقد كانت كذلك بالفعل وصدقت توقعاته.