مقالات الرأى

ياسر خليل يكتب:آدم لا يتكلم

ذهبت بصحبة أسرتي الصغيرة، قبل بداية العام الدراسي الحالي، إلى عدد من المدارس القريبة من مقر سكننا، على أمل أن نلحق ابني آدم، الذي كان قد تجاوز عامه السادس بأسابيع قليلة، بالمرحلة الأولى من رياض الأطفال (KG 1).

 كان لدينا قدر  من القلق أن نواجه الكثير من الرفض، لأن آدم من أطفال متلازمة داون، لكن ما حدث كان معاكسًا تمامًا، فقد قوبلنا بترحيب من مسؤولي معظم المؤسسات التعليمية التي زرناها، أما من رفض منهم، فقد أكد أن السبب الوحيد هو عدم اكتسابهم خبرة في تعليم أطفال المتلازمة.

 لمسنا بقلوبنا، ورأينا بأعيننا، تأثير الجهد الذي تقوم به الدولة المصرية في أعلى مستوياتها السياسية. اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصيا بمصافحة واحتضان أطفالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة، في احتفاليات مهمة، لم يكن يعكس مدى اهتمام الجمهورية الجديدة بهؤلاء الملائكة فحسب، لكنه أيضا شكل خطوة مهمة في طريق توعية المصريين بمواطنين يعيشون معهم داخل المجتمع، لديهم تحدياتهم واحتياجاتهم وقدراتهم الخاصة.

هذه التوعية بأصحاب الهمم سهلت الأمر علينا كثيرا، وجعلت آدم موضع ترحيب. الإشكالية الحقيقة التي اصطدمنا بها، والتي علمنا لاحقا أنها واجهت الكثير من أسر أطفال داون، تكمن في “قانون الدمج” (رقم 252 لسنة 2017)، الذي يضع اشتراطات صارمة للمراحل العمرية المسموح بالقبول خلالها في رياض الأطفال، والتي جعل حدها الأقصى 6 سنوات، أما بالنسبة للمرحلة الابتدائية فتبدأ من 6 حتى 9 سنوات.

يساوي هذا القانون بين الأطفال الطبيعيين، وأطفال متلازمة داون الذين تواجههم مجموعة من التحديات الذهنية والبدنية الصعبة، تجعلهم متأخرين عن نظرائهم في اكتساب العديد من المهارات، بنحو عامين، كحد أدنى.

هذا القانون الذي يعد إنجازا مهما، به معضلة عرقلت جميع المسؤولين الذين التقيناهم في المدارس التي زرناها. لقد كانوا متفهمين لوجهة نظرنا أو متعاطفين معنا، في إصرارنا الشديد على التقديم لآدم في الصف الأول برياض الأطفال، لكنهم كانوا غير قادرين على قبوله في تلك المرحلة التمهيدية، التي نعتقد تماما، أنها باتت جزءًا ضروريًا لتأهيل الطفل للتعليم الأساسي، خصوصًا إذا كان لديه تحديات ذهنية وإدراكية.

منذ اللحظة الأولى من ميلاد آدم في 4 يونيو عام 2017، وبالرغم من معلوماتنا التي كانت تساوي صفر عن متلازمة داون، بدأنا على الفور بالاهتمام والتمرين المستمر في البيت،  ورزقنا بمتخصصين ومدربين أناروا لنا الطريق.

وبسبب هذا المجهود الكبير، الذي بذل على مدار أكثر من 6 سنوات، فأن إدراك آدم ومهاراته جيدة   جدا، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتساوى مع طفل طبيعي في نفس عمره، أن آدم لا يتكلم، ولا يستطيع التعبير عن نفسه بشكل جيد، ثمة صعوبة في النطق لديه تجعله غير قادر على التلفظ بما يريد بشكل واضح وصحيح.

هذه الحقيقة جعلتنا نفكر كثيرا، ونضاعف جلسات التخاطب له، خصوصا حين استرجعنا تجربة أخته الكبرى نور. كان حديثها معنا بعد عودتها من المدرسة، وروايتها لما مرت به خلال اليوم، عاملا مهما لحل الكثير من المشكلات التي تواجهها يوميا، سواء كان ذلك يتعلق بالتنمر، أو عدم فهم الدروس، أو مشكلة مع صديقة مقربة لها، أو سلوك شخصي تحتاج إلى تعديله لكسب المزيد من الأصدقاء، وتجنب التنمر.

لا اعتبر أنني استغل هذه المساحة المهمة لطرح مشكلة شخصية، ولكنني مقتنع أنني استخدمها لتقديم تجربة عايشتها، وإشكالية لا تتعلق بآدم فحسب، وإنما تمس الآلاف من أطفال متلازمة داون، الذين يقبلون على الانضمام للمدارس كل عام، دون أن يكونوا قادرين على الكلام والتواصل، وليس لديهم مهارات متساوية مع أقرانهم.

لهذا  آمل في أن تحدث تعديلات على “قانون الدمج”، كي يكون هناك مرونة أكبر في المراحل العمرية المحددة للالتحاق برياض الأطفال، والمرحلة الابتدائية، تتناسب مع ظروف وقدرات أطفالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة.

نقلا عن بوابة روزاليوسف

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى