مقالات الرأىسلايدر

عبد الله السبع يكتب .. مكفوفو البصر في الفن

يكاد يكون فقدان البصر هو الإعاقة الوحيدة الأكثر تجسيدًا على شاشة السينما، ومن بعدها شاشة التلِڨزيون. فقد ظهرت العديد من الأعمال الفنية التي تُسلِّط الضوء على شخصيات متنوعة من مكفوفي البصر.

وليست الشاشة وحدها التي اهتمت بتجسيد تلك الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ بل ساهمت خشبة المسرح في ذلك أيضًا. حيث كان العمىٰ موضوعًا لعرض مسرحي شهير هو مسرحية “وِجْهة نظر” بطولة محمد صبحي.
وتدور فصول المسرحية حول مجموعة من العُمي يقيمون في مكان تابع لإحدىٰ الهيئات؛ التي لا تُقدِّم لهم أيَّ نوع من الرعاية. حتى يأتيَ إليهم (عرفة الشواف) الأعمَىٰ الذي خرج حديثًا من السجن؛ ليقودَهم، ويحاول كشف رئيس الهيئة الذي لا يهتم بهم، ويماطل في إعطائهم نقودهم. وفي النهاية؛ يُوقع مجموعة العُمي برئيس الهيئة. وتُختَّتم المسرحية بوقف خِدمات الهيئة، وانصراف كل كفيف ممن كان مقيما فيها في طريق من دروب الحياة المختلفة.

وفي عرض مسرحي آخر أقل شهرة بعنوان: “سمع هس”؛ نظمَّته شركة تُدعىٰ “نون” للإبداع، بدعم من المجلس الثقافي البريطاني في مصر. وجرىٰ تقديمه منذ ثمانية أعوام بجمعية النهضة بمنطقة الفجالة. حاول العرض المسرحي أن يُسلِّطَ الضوء على العقبات التى يُواجها ذوو الإعاقة من مكفوفي البصر، مما يمنعهم من الإدماج السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وقد جرىٰ تطوير المسرحية عبر سلسلة من ورش العمل مع ممثلين من أصحاب القدرات المختلفة؛ حيث بدأت مع الممثلين رحلة من الحكي والارتجال حتىٰ وصلت المسرحية إلى شكلها النهائي.

فإذا انتقلنا إلى فن السينما؛ فإننا جميعًا نتذكر عددًا من الأفلام؛ كان أبطالها من مكفوفي البصر؛ ربما أشهرها فِلم “قاهر الظلام”؛ الذي يروي قصة حياة عميد اﻷدب العربي د. طه حسين، منذ طفولته في إحدىٰ قرىٰ المنيا، وكيفية تخطيه الصعوبات وتحديه كَفِّ البصر؛ ليترك بصمته على اﻷدب والمشهد الثقافي والنظام التعليمي إلى يومنا. كما جرىٰ أيضًا؛ تجسيد حياته في مسلسل تلِڨزيوني شهير حمل اسم “الأيام”.

وفي العام 1991م؛ قدَّم الراحل محمود عبد العزيز شخصية (الشيخ حسني) في فِلْم “الكيت كات”؛ المأخوذ عن رواية “مالك الحزين” للروائي إبراهيم أصلان. وجاءت تلك الشخصية لتُعبِّر عن شخص لم تمنعه إعاقته من أن يعيشَ حياته كما أرادها هو؛ لدرجة أنه يتعاطىٰ الحشيش.. وهو الأزهريُّ النشأة!
وتميزت شخصية الشيخ حسني بخفة الدم والعبقرية، وبالسخرية من الواقع.. فبرغم فقد بصره؛ فإنه لم يفقد الأمل أبدًا ولم يستسلم للعجز، ويعيش حياته غير معترف بإعاقته؛ حتى إنه يصطحب صديقه (الشيخ عبيد) – الكفيف أيضًا – إلى السينما لمشاهدة فِلْم أجنبي ويتولىٰ قَصّ مشاهد الفِلْم على مسامع صديقه، ثم يركبان معًا فلوكة في النيل وحدَهما؛ كما أنه لا يتوانىٰ عن أن يُجرِّبَ قيادة الفسبة بنفسه وأن يسير بها في الشوارع، وخلفه ابنه (يوسف)! وحين يسقطان في النيل؛ ويتمكنان من الخروج وملابسهما تغمرها المياه؛ يقول له ابنه: “يابا انتَ ليه مش عاوز تصدق انك أعمىٰ”؛ ليرد الشيخ حسني في استهانة: “أنا أعمىٰ يا غبي؟.. دا أنا باشوف أحسن منك في النور وفي الضلمة كمان”!
وكأنما تريد أن تُوحي شخصية الشيخ حسني بأن العمىٰ قد يكون أحيانًا أسلوب حياة لرؤية العالم بشكل أفضل، وإن إبصار بعض الناس هو في حقيقته عمىٰ!

بدوره قدَّم عادل إمام شخصية الكفيف (سعيد المصري) في فِلْم “أمير الظلام”. وقد حاول صُنَّاع الفِلْم إلقاء الضوء على سوء معاملة دور ذوي الإعاقة للمكفوفين؛ من خلال شخصية ضابط سابق فقد بصره إثر انفجار طائرته في إحدىٰ المعارك، وعندما ذهب ليعيش في دار للمكفوفين حاول الدفاع عن حقوق تلك الفئة أمام مدير الدار التي حولها إلى ما يشبه السجن، كما أنه كان يقوم باستغلالهم وإهدار حقوقهم. لكن يُؤخذ علىٰ هذا الفلم؛ أنه جرىٰ تشتيت انتباه المشاهدين بأحداث كثيرة متفرعة وكان يمكن التخلص منها بسهولة.. فقد أقحم الفلم قضية بوليسية باستهداف عصابة إرهابية للدار!

وكان الأَوْلىٰ بصناع الفلم الاهتمام بالمعاقين ووضعهم فى دائرة الضوء، وجعل قضيتهم هي محورالفلم. أيضًا – وكعادة السينما المصرية – جاء بطل الفِلْم (مكفوف البصر) سوبر مان؛ يقود طائرة، ويهرب من الدار بخلع أحد القضبان الحديدية، ويقوم بتصفية أفراد عصابة مدربة على الاغتيالات!!

عبر مسيرة السينما المصرية؛ هناك عدة أفلام أخرىٰ تماست مع العمىٰ، وجاء أبطالها مكفوفي البصر؛ لكن في سياقات أخرىٰ.. ليس من بينها فهم الأعماق الحقيقية للمعاقين، أو محاولة الاقتراب من عالمهم.. ومن بين تلك الأفلام:
“شمس لا تغيب” من إنتاج عام 1959م؛ حيث تتعرض (سها) إلىٰ فقدان بصرها، عندما تسقط من أحد المرتفعات في رحلة مع أسرتها، فيتخلىٰ عنها خطيبها؛ وتتعرض لضغط نفسي وتفقد الأمل في استمرار حياتها. حتىٰ يتدخل الطبيب (صلاح) لعلاجها، ويُعرِّض نفسَه للمسئولية. لكن في اللحظة الأخيرة؛ تُبصر سها ويعود إليها نور عينيها، وترتبط بالدكتور صلاح.
“الشموع السوداء” من إنتاج عام 1962م؛ يسرد قصة (أحمد) الشاعر الشاب، الذي أصيب بالعمىٰ؛ جراء حادث أثناء ركوبه على حصانه، وذلك عندما شاهد خيانة حبيبته له. وعلى إثر هذا؛ يقرر الهروب من الحياة، والعيش في الريف، بقلب ممتلئ بالحقد والكراهية علىٰ كل نساء الأرض! حتى تأتي (إيمان) الممرضة الخاصة له. وبرقة طباعها وإنسانيتها المفرطة؛ تتبدل أحوال أحمد تجاهها. إلىٰ أن تُتهم إيمان في قضية قتل وقعت بداخل القصر الذي تعيش فيه؛ فيعقد أحمد العزم علىٰ كشف القاتل الحقيقي.
وبرغم عجزه؛ يتمكَّن من تعقب آثار المجرم الحقيقي؛ وأثناء ذلك يتعرض لحادث ويقع من فوق السلم وتصطدم رأسه بالأرض، فيعودَ إليه بصره!

الخلاصة: أن السينما المصرية عبر تاريخها الممتد؛ لم تترك قضية في الحياة إلا وتناولتها، ولم تترك فئة من فئات المجتمع إلا وجسدت أصحابها، وغاصت في أعماق عوالمهم.. غير أن حظ ذوي الاحتياجات الخاصة معها؛ لم يكن بالشكل المأمول. ورأيي أنه لم يعرَض بعد العمل الفني؛ الذي يرصد حياة الأعمَىٰ ويجسدها بشكل؛ يجعلنا نعيشُ حياتَه، ونسير معَه بمشاعر حقيقية في دربه الطويل والمؤلم في هذه الدنيا!

اقرأ أيضًا 

كيفية معرفة عنوان مكتب تنسيق الكلية الحربية 2020 ورابط التقديم

ماهي شروط تقديم كلية الشرطة 2020 لخريجي حقوق؟

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى