مقالات الرأىسلايدر

عبد الله السـبع يكتب .. الحاسة التي لا تنام!

 

 

تناولتُ في مقالٍ سابق نعمة السَّمع وأداتِها؛ وهي: الأُذن. وأحبُّ أن أزيدَ الكلامَ عن تلك النِّعمة مرةً أخرى. فقد ميَّز الله سبحانه وتعالى السَّمعَ والبصر عن بقية الحواس الأخرى؛ وهي: اللمس والشم والتذوق. حيث إن السمع أهم وسيلة من وسائل التعلم والإدراك، وقد قَـرَن الله نعمة البصر بنعمتيْ: السمع والفؤاد، ففي القرآن الكريم: “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون”. [النحل – آية : 78]

يقول المفسرون: حين يبدأ الله سبحانه وتعالى بشيء ويُقدِّمُه على غيره؛ فلذلك دِلالة. وقد برهنَتْ أبحاثٌ طبية حديثة أن السمع أهم من البصر من كل الجوانب! وللتدليل على ذلك؛ فإن العلماء يعقدون مقارنة بين الأذن والعين؛ فيقولون: البصر يحتاجُ إلى النور حتى نرى؛ لكننا نستمع في الظلام! كما أن البصر حاسَّةٌ تخضع لإرادة صاحبها؛ بمعنى أنه بإمكانه أن يرى أو لا يرى بحسب إرادته؛ حيث يُمكنه أن يُدير نظرَه عما لا يرغبُ في رؤيته، لكنَّ حاسة السمع لا شعورية؛ فالأصوات ربما تأتيك رُغمًا عنك، هتسمع يعني هتسمع!!

يُكمل العلماء مقارنتهم؛ فيقولون: إن العين تنام وتستريح بالليل، وكذلك الحواسُّ الأخرى كاللمس والشم؛ تنتهي فاعليتها بمجرد أن يَخلُدَ الإنسانُ إلى النوم! ويُدللون على ذلك بأن أي شخص نائم لا يستيقظ إذا ملأت الغرفة من حوله بالعطر مثلا، أو إذا – لا قدر الله – جرى تسريب غاز سام بقربه؛ فإنه يستنشقه ويموت، لكن إذا أصدرت صوتًا مُدويًّا؛ فإن هذا الصوت يكون كفيلاً لكي يوقظ إنسانًا مستغرقًا في سُبات عميق داخل مخدعه. ويخلصون من ذلك إلى أن الأذن لا تنام أبدًا؛ فنحن نسمع في الليل والنهار، وفي النوم واليقظة!

علميًّا؛ فإن الجهاز السمعي يبدأ تخلُّقه منذ بداية الأسبوع الثاني للجنين في رحم أمه، وبتقدم وسائل العلم ثبَت أن الجنين بإمكانه أن يسمعَ الأصوات منذ الشهر الرابع! وبحسب الأطباء المختصين؛ فإن الجنين يُميِّز صوتَ أمِّه ويشعر بدقات قلبها، قبل أن يُولَد! وتؤكد أبحاث طبية أن الجنين بعد الشهر الخامس ينزعج عند سماع أصوات صاخبة أو ضجيج متعال؛ وتزداد حركاته وتقلباته داخل الرحم! ولذا فإن الأم الحامل تُنصَح بأن تنأى بحَملِها بعيدًا عن الصخب والضوضاء.

وبعد الولادة؛ فإن السمع هي الحاسة الأولى التي تعمل على الفور، كما أنها تكون وسيلة الرضيع للتعامل مع العالم الخارجي بشكل أكبر من حاسة البصر!

وقد قام طبيبُ أنفٍ وأذن وحنجرة فَرنسيٌّ يُدعَى “ألفريد أتوماتيس” (1920م – 2001م) بعدة دراسات على حواس الإنسان استغرقت خمسين عامًا؛ وتوصل إلى أن حاسة السمع أهم حاسة في الإنسان! فهي تتحكم في جهازه العصبي وتوازنه وحركته.

وكما أنَّ الأذنَ هي أول عضو من أعضاء البدن في التخلُق؛ فإنَّ السمعَ آخر جزء يموت في بدن المُتَوفَّى. وبحسب أبحاث علمية حديثة؛ فإن السمع يبقى لعدَّة ساعات، حتى بعد توقف قلب الإنسان!

من كل هذا العرض تتبين لنا أهمية حاسة السمع، ومن هنا فتنبغي ملاحظة سلامة حاسَّة السمع عند الوليد منذ الأيام الأولى لمجيئه إلى الدنيا؛ فإذا ما لاحظت الأم أي خللٍ في سَمْع وليدها، أو شكَّتْ في ذلك؛ فينبغي عليها الإسراع إلى طبيب أنف وأذن وحنجرة؛ ليقوم بفحص المولود.

وفي هذا الصدد؛ فيطيبُ لي أن أُسلِّط الضوء على مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن ضِعاف السمع بين المواليد الجُـدُد خلال الـ 28 يومًا الأولى من ميلادهم. وتهدف تلك الحملة إلى الكشف المبكر عن حالات ضَعْف السمع عند المواليد، الذين يصل تعدادهم سنويًا لقرابة 2.6 مليون طفل؛ وذلك من خلال فحصهم إجباريًّا، لتسهيل عملية متابعة وعلاج الطفل المُكتشَفةِ إصابتُه بأية مشاكل في السمع.

وتُلزم المبادرة الرئاسية أولياء الأمور؛ بإجراء مقياسٍ للسمع على أطفالهم حديثي الولادة. كما تشمل المبادرة توعية إعلامية وتثقيفية للأسر؛ للاكتشاف المبكر للطفل المصاب بضَعْفِ السمع، لتحديد احتياجه إلى علاج تأهيلي، أو إلى زرع قوقعة من عدمه.

وفي ختام مقالنا؛ نَذكِّـرُ الآباء والأمهات بأن أي خلل في جسم الطفل يُمكن إصلاحه، أو على الأقل منع تفاقمه؛ لو جرى اكتشافه في السن المناسبة.

وأخيرًا: فالحمد لله على نِعْمة السَّمع؛ وكان من دعاء خاتم الأنبياء: اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوراث منا. قال العلماء: معنى “اجعله الوارث منا”؛ أي أبْقِها صحيحة سليمة إلى الممات. (صلَّ الله عليه وسلم).

اقرأ أيضًا 

عبد الله السـبع يكتب .. قصة سَـمَّاعة الأُذُن

 

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى