رضا عبد السلام من إعاقة منذ الولادة إلى حلم الإذاعة .. “ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى”
صوت رقيق يلامس قلبك قبل أذنيك، يقرأ القرآن فيبلغ صوته عنان السماء، لم يتخلى عن حلمه وتحدي إعاقته، فوصل لمنصب كبير المذيعين بإذاعة القرآن الكريم. انتظر سنوات لتحقيق حلمه لكن عزيمته لم تلين، وتغلب على ظروف لم تمنعه من تحقيق حلمه.
حنجرة ذهبية ارتبطت في مسامع كثيرون بصوت شعائر صلاة الفجر، ونقل صلاة التراويح لإذاعة القرآن لسنوات. مسيرة حافلة لم يكن رضا عبد السلام ليحققها، لولا امتلاكه حلم رجل عزم أمره وتوكل على الله فكان له النجاح.
بدايات صعبة:
رضا عبد السلام حسن، مذيع متميز بإذاعة القرآن الكريم منذ أكثر من 25 سنة. رغم إنه مولود بضمور في ذراعيه، وهو أول مذيع علي الهواء من متحدي هذه الإعاقة في العالم. من مواليد قرية كفر الشيخ إبراهيم، مركز قويسنا محافظة المنوفية، وصل وتدرج في السلم الوظيفي بها حتى درجة كبير مذيعين.
عاش رضا عبد السلام طفولة صعبة، حيث كان لا يستطيع أن يزحف على يديه ورجليه، ويقوم بالاستناد إلى الحائط حتى يتمكن من السير من دون أن يقع، وكان يخاف من الأطفال أن يقربوا منه، ويفعل عكس ما يفعله الأطفال في سنه.
وتفاقمت الأمور وازدادت تعقيدًا عندما كبر الطفل، الذي لا يمتلك إلا 15 سم فقط في كل ذراع، فذهب به والده ليلحقه بالتعليم في المرحلة الابتدائية، حتى فوجئ بإدارة المدرسة ترفض قبول ولده.
ومع بداية العام الدراسي الجديد ذهب والده إلى وكيل وزارة التربية والتعليم بالمنوفية، فسمح للابن أن يكتب، فكتب بقدمه، فانبهر من روعة الخط، ووافق على انضمامه إلى المدرسة.
واجه معوقات كثيرة في حياته، لكنه تفوق في دراسته، وحصل على ليسانس حقوق، وليسانس دعوة إسلامية، فضلًا عن حفظه للقرآن الكريم في مرحلة الطفولة، كما حصل على الماجستير، ولديه وجهة نظر في مشاكل المعوقين. وله عدة كتب منها “أشهر معاقين في العالم”، “حياتي”، “نقوش على الحجر”
التحاقه بالإذاعة المصرية:
بعد تخرجه عمل فترة قصيرة في أحد مكاتب المحاماه، ولكن لم يجد نفسه في هذه المهنة، وفكر في العمل بإذاعة القرآن الكريم خاصة أن شروط هذه المهنة تنطبق عليه فاللغة العربية لديه قوية حيث يجيد إلقاء الشعر والخطابة، فذهب إلى أحد أساتذته بكلية الحقوق بجامعة طنطا، وقال له إنه يريد أن يعمل بالإذاعة. وبالفعل قام أستاذه بمساعدته وأرسله إلي الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع وبعد أن استمع إليّه، أرسله إلى الإعلامي الكبير فهمي عمر رئيس الإذاعة المصرية آنذاك، والذي سأله ماذا تريد أن تعمل، فقال له: مذيعا بإذاعة القرآن الكريم. ودخل امتحان الإذاعة ولكنه رسب رغم نجاحه في فترة التدريب بشهادة من كان يدربه.
بعد ظهور النتيجة شعر وقتها بمرارة شديدة لعلمه أن السقوط ليس بسبب قصورٍ في إمكانياته بل لأنه من متحدي الإعاقة، فقرر وقتها عدم الاستسلام، وأن يعمل فيما يحب ما دامت مؤهلاته تسمح، وبالفعل عمل عامين بإذاعة وسط الدلتا الإقليمية حتى علم أن إذاعة القرآن الكريم تجري مسابقة لاختيار مذيعين جدد. فذهب وقدم مرة أخري وكان رئيس لجنة التحكيم وقتها الإعلامي الكبير حلمي البلك، فدخل عليه وكان مرتدياً جاكت فقام بخلعه دون أي مساعدة من أحد. ثم نظر إلي البلك وطلب منه عدم التعليق لحين انتهائه من إجابة كل الأسئلة الموجودة في ورقة الاختبار وبالفعل أجاب عليها كتابة بفمه ثم طلب من البلك إجراء حوار إذاعي معه، وبالفعل اقتنع البلك به، وقبل تعيينه علي الفور كمذيع في إذاعة القرآن الكريم.
قدَّم “عبد السلام” عشرات البرامج التاريخية بإذاعة القرآن الكريم ومنها “مساجد لها تاريخ”، و”قطوف من السيرة” و”مع الصحابة”، “وبشر الصابرين”، الذى ظل يقدمه لأكثر من 10 أعوام، بجانب تغطيته لوقائع الحج عام 2006، وتغطيته لأكبر مسابقات القرآن الكريم العالمية بدبى، بالإضافة إلى تغطيته لمناسبة الإسراء والمعراج مباشرة من المسجد الحرام عام 2001، بالإضافة إلي الأمسيات الدينية والبرامج الحوارية الأخرى حتى صار كبير مذيعي إذاعة القرآن الكريم، ليصبح نموذجاً حياً للإرادة الصادقة.
نقوش على الحجر:
عن فكرة كتابه الذي ألفه بعنوان «نقوش على الحجر» أشار إلى أن الكتاب يتحدث عن سيرة حياته المختلفة من خلال الآية الكريمة: “قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى”، لافتًا إلى أن هذه الآية محققة في حياته، وأن كل مرحلة من مراحل الحياة تجد فيها صعوبة لكن تجد فيها أيضاً منحة دائماً.