سلايدرمقالات الرأى

إبراهيم عبد المجيد يكتب .. نور الحياة وكيف نزيدهم نورا

 

الكتابة عن ذوي الإعاقة أو ذوي الهمم كما اصطلح علي وصفهم تقديرا لانجازهم أو مايمكن لهم انجازه حتي لا تتصدر كلمة الإعاقة المشهد.

هذه الكتابة  عنهم أمر مهم جدا فالناظر في التاريخ يراهم ويرى الكثيرين منهم رغم التنمر الذي قد يلحق بهم ممن لا يدركون أن أحدا لا يختار لنفسه طريق الإعاقة، وأن الله لا يختارهم عقابا لكن هكذا شاء قدرهم وعلينا أن نفتح لهم الدنيا.

على طول رحلتي مع القراءة وقفت عند الكثيرين منهم مثل ابو العلاء المعري رهين المحبسين. المحبس الأول كان العمى والثاني كان البيت فهو نادر الخروج، لكن العمي لم يوقفه عن ابداع أعظم الشعر العربي والنثر أيضا، لذلك لم يكن غريبا أن يأتي عظيم آخر هو طه حسين يمشي على دربه ويزيد عليه الخروج من البيت، فيحصل على الدكتوراة من السوربون ويكتب من أجل نهضة مصر في كل مجال من الأدب والفكر والسياسة، ويعمل من أجل النهضة غير المسبوقة في التعليم في كل منصب تولاه وكان آخرها وزار المعارف قبل عام 1952 التي كانت آخر وزارة لحزب الوفد .

طه حسين غير الفكر هو فاتح أبواب التعليم الجامعي للمرأة وهو صاحب دعوة التعليم المجاني لكل الشعب . أستطيع ويستطيع الكثيرون إيجاد عظماء في تاريخنا العربي من ذوي الإعاقة مثل محمد بن سيرين الذي كان أصما، والإمام الترمذي الذي كان ضريرا. أما في العالم فما أكثر الأسماء العظيمة أيضا .

تستمر معنا الرحلة لنجد كاتبا وشابا من أجمل الشباب ذوي الإعاقة لا يوقفه شيئ هو محمد أبو طالب الذي يعمل في جامعة سوهاج ويصور رغم أنه ضرير ويرسم ويطور في علوم الويب وطبعا لن أتحدث عن  رامز عباس فلقد تابعت مسلسله العظيم وانجازه ومن اشتركوا في المسلسل من ذوي الإعاقة أو غيرهم.

هل أحدثكم عنهم في العالم . آلاف منهم صنعوا الفكر والفن والموسيقى، وعلى سبيل المثال فقط ، بيتهوفن أصابه الصمم في آخر حياته ولم يتوقف عن ابداع أعظم الموسيقي ومنها السيمفونية السابعة الخالدة على مر الزمان وغيرها.

هيلين كيلر طبعا كانت صماء بكماء. توماس برايل الضرير الذي وضع طريقة برايل للقراءة للعميان. توماس أديسون الأصم مخترع المصباح الكهربي. ستيفن هاوكنج عالم الفيزياء العظيم .

ولا تنسوا سيد مكاوي وعمار الشريعي ويستمر الأمر مع غيرهم .يمكن لمن يريد أن يعرف أن يدخل علي جوجل ليعرف كم وكيف العلماء والفنانين والفلاسفة الذين اضاءوا الدنيا فلا يكفي كتاب اسماءهم.

لقد ولدت في حي كرموز الشعبي في الإسكندرية وكان من حسن حظي أن زمني في بدايتي في الخمسينيات كطفل لم أرَ فيه حالة تنمر على أي منهم، بل كانوا محل عطف وتشجيع من الجميع .

صرت مجذوبا لهم حتي جاء يوم كتبت فيه رواية “في كل أسبوع يوم جمعة” أحد شخصياتها ممن نسميهم “الداون” وأحيانا “المونجول” وأسميتهم في الرواية أبناء الله على الأرض وكيف وضعت ثلاث شخصيات منهم ظروف المجتمع الذي  تخلف كثيرا جدا في مواقف صعبة .

المدهش أنني طوال كتابتي في الرواية التي استغرقت أكثر من عام كنت أقابلهم في الشوارع وأحيانا في السينما كأنما يشعرون بي ويقولون لي نحن هنا فاكتب. لا أنسى يوما كنت فيه في شاطئ سيدي كرير يوم شم النسيم فخرجت إلى الشاطئ مبكرا.

لم أجد أحدا إلا شاب من “الداون” يجلس تحت شمسية وحده . ظللت أتمشى على الشاطئ  وأعود وهو وحده كأنما يقول لي جئت لتكتب الرواية فلا تهجرها.

بعد ذلك لم أره علي الشاطئ وخُيل لي أن الله هو الذي أرسله إليّ . بعيدا عني وعن مشاعري نحن نحتاج في مصر إلى معاملة كريمة معهم بدءا من التعليم حتي الرعاية الصحية.

سأعطيكم مثالا أتمنى أن يكون عندنا مثله أو حتي نصفه . عام 2001 كنت في زيارة لمدينة لاروشيل الفرنسية للإقامة والكتابة لثلاثة أشهر.

مدينة لاروشيل بعيدة على المحيط الأطلنطي لا يوجد بها مصريون غيرثلاثة أو أربعة. قابلت واحدا منهم يعمل في البناء وبينما نجلس على المقهى عرفت أنه متزوج من فرنسية وأن ابنه الصغير من “الداون” أو “المونجول” .

قلت له ربنا معاك تربيته تحتاج جهدا كبيرا ومصاريف، فقال لي نحن لا نتكلف شيئا بل نكاد نعيش على حسابه . سألته كيف فقال لي أن الدولة الفرنسية جعلت له ولمثله سيدتان تعملان في التمريض والتعليم أيضا واحدة تقضي معه الليل والأخري النهار.

ونحن معنا اشتراكات في المواصلات أنا وأمه وهو مجانية بسببه فضلا عن مبلغ لا بأس به يصرف لهم شهريا، كما أن لهم الحق في جميع الأدوية له ولهم مجانا من الصيدليات .

أدهشنى ماقال وبعد خمسة عشر عاما زرت لاروشيل مرة أخرى وقابلت ابنه الذي صار في أول سنوات شبابه وكان يدعو إلى الفخر علما وثقافة . أتمني أن يحدث في بلادنا نصف ما يحدث في فرنسا.

لمتابعة أخبار موقع نساعد عبر  google news اضغط هنـــــــــــا ، صفحة موقع نساعد على الفيسبوك اضغط هنـــــــــا  وموقع تويتر اضغط هنــــــــــــــا  

اقرأ أيضًا 

اليوم العالمي لذوي الإعاقة .. ماذا قدمت وزارة التربية والتعليم لأصحاب الاحتياجات الخاصة؟

ماذا حدث في مستشفى قويسنا المركزي؟ .. تعليق «الصحة» ونقابة التمريض (فيديو)

مقالات ذات صلة

ما تعليقك على هذا الموضوع ؟ ضعه هنا

زر الذهاب إلى الأعلى